الآية- 2

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿2﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وإسماعيل عن نافع شنان بسكون النون الأولى في موضعين والباقون ﴿شنان﴾ بفتحها وقرأ ابن كثير وأبو عمرو إن صدوكم بكسر الهمزة والباقون بفتحها.

الحجة:

من قرأ ﴿شنان﴾ بالفتح فحجته أنه مصدر والمصدر يكثر على فعلان نحو الضربان والغليان ومن قرأ شنان فحجته أن المصدر يجيء على فعلان أيضا نحو الليان كقول الشاعر:

وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي

وإن لام فيه ذو الشن آن وفندا يدل على أن الشن آن بالسكون أيضا فخفف الهمزة وألقى حركتها على الساكن قبلها على القياس فيكون المعنى في القراءتين واحدا وقوله ﴿إن أن﴾ وإن كان ماضيا فإن الماضي قد يقع في الجزاء وليس المراد على أن الجزاء يكون بالماضي ولكن المراد أن ما كان مثل هذا الفعل فيكون اللفظ على الماضي والمعنى على مثله كأنه يقول إن وقع مثل هذا الفعل يقع منكم كذا وعلى هذا حمل الخليل وسيبويه قول الفرزدق:

أتغضب أن أذنا قتيبة حزتا

جهارا ولم تغضب لقتل ابن حازم وعلى ذلك قول الشاعر:

إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

ولم تجدي من أن تقري به بدا فانتفاء الولادة أمر ماض وقد جعله جزاء والجزاء إنما يكون بالمستقبل فيكون المعنى أن تنتسب لا تجدني مولود لئيمة وجواب أن قد أغنى عنه ما تقدم من قوله ﴿ولا يجرمنكم﴾، المعنى أن صدوكم عن المسجد الحرام فلا تكتسبوا عدوانا ومن فتح ﴿أن صدوكم﴾ فقوله بين لأنه مفعول له والتقدير ولا يجرمنكم شنان قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا فإن الثانية في موضع نصب بأنه المفعول الثاني وأن الأولى منصوبة لأنه مفعول له.

اللغة:

الشعائر جمع شعيرة وهي أعلام الحج وأعماله واشتقاقها من قولهم شعر فلان بهذا الأمر إذا علم به والمشاعر المعالم من ذلك الإشعار الإعلام من جهة الحس وقيل الشعيرة والعلامة والآية واحدة والحلال والحل المباح وهو ما لا مزية لفعله على تركه والحرام والحرم ضده وحريم البئر ما حولها لأنها تحرم على غير حافرها والحرم الإحرام وأحرم الرجل صار محرما وأحرم دخل في الشهر الحرام ورجل حرمي منسوب إلى الحرم والهدي ما يهدي إلى الحرم من النعم وقلائد جمع قلادة وهي ما يقلد به الهدي والتقليد في البدن أن يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي والقلد السوار لأنها كالقلادة لليد، والأم القصد يقال أممت كذا إذا قصدته ويممت بمعناه قال الشاعر:

إني كذاك إذا ما ساءني بلد

يممت صدر بعيري غيره بلدا

ومنه الإمام الذي يقتدى به والأمة الدين لأنه يقصدوا الإمة بالكسر النعمة لأنها تقصد ويقال حللت من الإحرام تحل والرجل حلال وقالوا أحرم الرجل فهو حرام وقيس وتميم يقولون أحل من إحرامه فهو محل وأحرم فهو محرم والجرم القطع والكسب ﴿ولا يجرمنكم﴾ أي لا يكسبنكم وهو فعل يتعدى إلى مفعولين وقيل معناه لا يحملنكم عن الكسائي قال بعضهم يقال جرمني فلان على أن صنعت كذا أي حملني عليه واستشهدوا بقول الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

أي حملت وقيل معناه أحقت الطعنة لفزارة الغضب وقيل معناه كسبت فزارة الغضب وشنئت الرجل أشناه شنا وشنا وشنانا ومشنا أبغضته وذهب سيبويه إلى أن ما كان من المصادر على فعلان بالفتح لم يتعد فعله إلا أن يشذ شيء نحو شنئته شنانا قال سيبويه وقالوا لويته حقه ليانا على فعلان فعلى هذا يجوز أن يكون الشن آن مصدرا مثله وقال أبو زيد رجل شنان وامرأة شنانة مصروفان ويقال أيضا رجل شنان غير منصرف وامرأة شناء فقد جاء الشن آن مصدرا ووصفا وهما جميعا قليلان.

النزول:

قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) نزلت هذه الآية في رجل من بني ربيعة يقال له الحطم وقال السدي أقبل الحطم بن هند البكري حتى أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحده وخلف خيله خارج المدينة فقال إلى ما تدعو وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لأصحابه يدخل عليكم اليوم رجل من بني ربيعة يتكلم بلسان شيطان فلما أجابه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أنظرني لعلي أسلم ولي من أشاوره فخرج من عنده فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر فمر بسرح من سروح المدينة فساقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول:

قد لفها الليل بسواق حطم

ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بجزار على ظهر وضم

باتوا نياما وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلم

خدلج الساقين ممسوح القدم ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلد هدبا فأراد رسول الله أن يبعث إليه فنزلت هذه الآية ﴿ولا آمين البيت الحرام﴾ وهو قول عكرمة وابن جريج وقال ابن زيد نزلت يوم الفتح في ناس يأمون البيت من المشركين يهلون بعمرة فقال المسلمون يا رسول الله إن هؤلاء مشركون مثل هؤلاء دعنا نغير عليهم فأنزل الله تعالى الآية.

المعنى:

ثم ابتدأ سبحانه بتفصيل الأحكام فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي صدقوا الله ورسوله فيما أوجب عليهم ﴿لا تحلوا شعائر الله﴾ اختلف في معنى شعائر الله على أقوال (أحدها) أن معناه لا تحلوا حرمات الله ولا تتعدوا حدود الله وحملوا الشعائر على المعالم أي معالم حدود الله وأمره ونهيه وفرائضه عن عطاء وغيره (وثانيها) أن معناه لا تحلوا حرم الله وحملوا الشعائر على المعالم أي معالم حرم الله من البلاد عن السدي (وثالثها) أن معنى شعائر الله مناسك الحج أي لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها عن ابن جريج وابن عباس (ورابعها) ما روي عن ابن عباس أن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظمون حرمة المشاعر وينحرون في حجهم فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك (وخامسها) أن شعائر الله هي الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها عن مجاهد وقال الفراء كانت عامة العرب لا ترى الصفا والمروة من شعائر الله ولا يطوفون بينهما فنهاهم الله عن ذلك وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) (وسادسها) أن المراد لا تحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم عن ابن عباس في رواية أخرى (وسابعها) أن الشعائر هي العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم نهاهم الله سبحانه أن يتجاوزوها إلى مكة بغير إحرام عن أبي علي الجبائي (وثامنها) أن المعنى لا تحلوا الهدايا المشعرة أي المعلمة لتهدى إلى بيت الله الحرام عن الزجاج والحسين بن علي المغربي واختاره البلخي وأقوى الأقوال هو القول الأول لأنه يدخل فيه جميع الأقوال من مناسك الحج وغيرها وحمل الآية على ما هو الأعم أولى ﴿ولا الشهر الحرام﴾ معناه ولا تستحلوا الشهر الحرام بأن تقاتلوا فيه أعداءكم من المشركين كما قال تعالى ﴿يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير﴾ عن ابن عباس وقتادة واختلف في معنى الشهر الحرام هنا فقيل هو رجب وكانت مضر تحرم فيه القتال وقيل هو ذو القعدة عن عكرمة وقيل هي الأشهر الحرم كلها نهاهم الله عن القتال فيها عن الجبائي والبلخي وهذا أليق بالعموم وقيل أراد به النسيء كقوله إنما النسيء زيادة في الكفر عن القتيبي ﴿ولا الهدي﴾ أي ولا تستحلوا الهدي وهو ما يهديه الإنسان من بعير أو بقرة أو شاة إلى بيت الله تقربا إليه وطلبا لثوابه فيكون المعنى ولا تستحلوا ذلك فتغصبوه أهله ولا تحولوا بينهم وبين أن تبلغوه محله من الحرم ولكن خلوهم حتى يبلغوا به المحل الذي جعله الله له وقوله ﴿ولا القلائد﴾ معناه ولا تحلوا القلائد وفيه أقوال (أحدها) أنه عنى بالقلائد الهدي المقلد وإنما كرر لأنه أراد المنع من جل الهدي الذي لم يقلد والهدي الذي قلد عن ابن عباس واختاره الجبائي (وثانيها) أن المراد بذلك القلائد التي كان المشركون يتقلدونها إذا أرادوا الحج مقبلين إلى مكة من لحاء السمر فإذا خرجوا منها إلى منازلهم منصرفين منها إلى المشعر عن قتادة قال كان في الجاهلية إذا خرج الرجل من أهله يريد الحج يقلد من السمر فلا يتعرض له أحد وإذا رجع يقلد قلادة شعر فلا يتعرض له أحد وقال عطا أنهم كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم يأمنون به إذا خرجوا من الحرم وقال الفراء أهل الحرم كانوا يتقلدون بلحاء الشجر وأهل غير الحرم كانوا يتقلدون بالصوف والشعر وغيرهما (وثالثها) أنه عنى به المؤمنين نهاهم أن ينزعوا شيئا من شجر الحرم يتقلدون به كما كان المشركون يفعلونه في جاهليتهم عن عطا في رواية أخرى والربيع بن أنس (ورابعها) أن القلائد ما يقلد به الهدي نهاهم عن حلها لأنه كان يجب أن يتصدق بها عن أبي علي الجبائي قال هو صوف يفتل ويعلق به على عنق الهدي وقال الحسن هو نعل يقلد بها الإبل والبقر ويجب التصدق بها إن كانت لها قيمة والأولى أن يكون نهيا عن استحلال القلائد فيدخل الإنسان والبهيمة أو يكون نهيا عن استحلال حرمة المقلد هديا كان ذلك أو إنسانا ﴿ولا آمين البيت﴾ أي ولا تحلوا قاصدين البيت ﴿الحرام﴾ أي لا تقاتلوهم لأنه من قاتل في الأشهر الحرم فقد أحل فقال لا تحلوا قتال الآمين البيت الحرام أي القاصدين والبيت الحرام بيت الله بمكة وهو الكعبة سمي حراما لحرمته وقيل لأنه يحرم فيه ما يحل في غيره واختلف في المعنى بذلك فمنهم من حمله على الكفار واستدل بقوله فيما بعد ﴿ولا يجرمنكم شنان قوم﴾ الآية ومنهم من حمله على من أسلم فكأنه نهى أن يؤخذ بعد الإسلام بذحل الجاهلية لأن الإسلام يجب ما قبله ﴿يبتغون﴾ أي يطلبون يعني الذين يأمون البيت ﴿فضلا من ربهم ورضوانا﴾ أي أرباحا في تجاراتهم من الله وإن يرضى عنهم بنسكهم على زعمهم فلا يرضى الله عنهم وهم مشركون وقيل يلتمسون رضوان الله عنهم بأن لا يحل بهم ما حل بغيرهم من الأمم من العقوبة في عاجل دنياهم عن قتادة ومجاهد وقيل فضلا من الله في الآخرة ورضوانا منه فيها وقيل فضلا في الدنيا ورضوانا في الآخرة وقال ابن عباس إن ذلك في كل من توجه حاجا وبه قال الضحاك والربيع واختلف في هذا فقيل هو منسوخ بقوله ﴿اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ عن أكثر المفسرين وقيل لم ينسخ في هذه السورة شيء ولا من هذه الآية لأنه لا يجوز أن يبتدأ المشركون في الأشهر الحرم بالقتال إلا إذا قاتلوا عن ابن جريج وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وروي نحوه عن الحسن وذكر أبو مسلم أن المراد به الكفار الذين كانوا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما زال العهد بسورة براءة زال ذلك الحظر ودخلوا في حكم قوله تعالى ﴿فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ وقيل لم ينسخ من المائدة غير هذه الآية ﴿لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد﴾ عن الشعبي ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد وقيل إنما نسخ منها قوله ﴿ولا الشهر الحرام﴾ إلى ﴿آمين البيت الحرام﴾ ذكر ذلك ابن أبي عروبة عن قتادة قال نسخها قوله ﴿اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ وقوله ﴿ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله﴾ وقوله ﴿إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ في السنة التي نادى فيها علي بالأذان وهو قول ابن عباس وقيل لم ينسخ من هذه الآية إلا القلائد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ﴿وإذا حللتم فاصطادوا﴾ معناه إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا فيها الصيد الذي نهيتم أن تحلوا فاصطادوه إن شئتم حينئذ لأن السبب المحرم قد زال عند جميع المفسرين ﴿ولا يجرمنكم﴾ أي ولا يحملنكم وقيل لا يكسبنكم ﴿شنان قوم﴾ أي بغضاء قوم ﴿أن صدوكم﴾ أي لأن صدوكم أي لأجل أنهم صدوكم ﴿عن المسجد الحرام﴾ يعني النبي وأصحابه لما صدوهم عام الحديبية ﴿أن تعتدوا﴾ ومعناه لا يكسبنكم بغضكم قوما الاعتداء عليهم بصدهم إياكم عن المسجد الحرام قال أبو علي الفارسي معناه لا تكتسبوا لبغض قوم عدوانا ولا تقترفوه هذا فيمن فتح أن ويوقع النهي في اللفظ على الشن آن والمعني بالنهي المخاطبون كما قالوا لا أرينك هاهنا ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ومن جعل ﴿شنان﴾ صفة فقد أقام الصفة مقام الموصوف ويكون تقديره ولا يحملنكم بغض قوم والمعنى على الأول ومن قرأ إن صدوكم بكسر الألف فقد مر ذكر معناه و﴿أن تعتدوا﴾ معناه أن تتجاوزوا حكم الله فيهم إلى ما نهاكم عنه نهى الله المسلمين عن الطلب بذحول الجاهلية عن مجاهد وقال هذا غير منسوخ وهو الأولى وقال ابن زيد وهو منسوخ ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ وهو استئناف كلام وليس بعطف على تعتدوا فيكون في موضع نصب أمر الله عباده بأن يعين بعضهم بعضا على البر والتقوى وهو العمل بما أمرهم الله تعالى به واتقاء ما نهاهم عنه ونهاهم أن يعين بعضهم بعضا على الإثم وهو ترك ما أمرهم به وارتكاب ما نهاهم عنه من العدوان وهو مجاوزة ما حد الله لعباده في دينهم وفرض لهم في أنفسهم عن ابن عباس وأبي العالية وغيرهما من المفسرين ﴿واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾ هذا أمر منه تعالى بالتقوى ووعيد وتهديد لمن تعدى حدوده وتجاوز أمره يقول احذروا معصية الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فتستوجبوا عقابه وتستحقوا عذابه ثم وصف تعالى عقابه بالشدة لأنه نار لا يطفأ حرها ولا يخمد جمرها نعوذ بالله منها.