الآيات 101-105

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ﴿101﴾ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا ﴿102﴾ فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا ﴿103﴾ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ﴿104﴾ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿105﴾

القراءة:

قرأ الكسائي وحده لقد علمت بضم التاء والباقون بفتحها.

الحجة:

قال أبو علي حجة من فتح أن فرعون ومن كان يتبعه قد علموا صحة أمر موسى بدلالة قوله لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك وقوله وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ومن قال لقد علمت إذا قيل له كيف يصح الاحتجاج عليهم بعلمه وعلمه لا يكون حجة على فرعون وإنما يكون علم فرعون بما علم من صحة أمر موسى حجة عليه فالقول إنه لما قيل له إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون كان ذلك قدحا في علمه لأن المجنون لا يعلم فكأنه نفى ذلك فقال لقد علمت صحة ما أتيت به وأنه ليس بسحر علما صحيحا كعلم العقلاء فصير العقل حجة عليه من هذا الوجه وزعموا أن هذه القراءة رويت عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام).

اللغة:

الثبور الهلاك ثبره الله يثبره ويثبره لغتان ورجل مثبور محبوس عن الخيرات قال:

إذ أجاري الشيطان في سنن الغي

ومن قال مثله مثبور

وتقول العرب ما ثبرك عن هذا الأمر أي ما صرفك عنه وما منعك منه ولفيف مصدر قولك لففت الشيء أي جمعته يقال لففته لفا ولفيفا ومن ذلك قولهم لففت الجيوش ضربت بعضها ببعض فاختلط الجميع قال الزجاج: اللفيف الجماعات من قبائل شتى.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه قصة موسى (عليه السلام) فقال ﴿ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات﴾ أي ولقد أعطينا موسى تسع دلالات وحجج واضحات واختلف في هذه الآيات التسع فقيل هي يد موسى وعصاه ولسانه والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم عن ابن عباس والضحاك وقيل الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والبحر والعصا والطمسة والحجر عن محمد بن كعب وعن أبي علي الجبائي أيضا إلا أنه ذكر بدل الطمسة اليد وعن قتادة ومجاهد وعكرمة وعطا كذلك إلا إنهم ذكروا بدل البحر والطمسة والحجر اليد والسنين ونقص من الثمرات والطمسة هي دعاء موسى وتأمين هارون وقال الحسن مثل ذلك إلا أنه جعل الأخذ بالسنين ونقص من الثمرات آية واحدة وجعل التاسعة تلقف العصا ما يأفكون وقيل إنها تسع آيات في الأحكام روى عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال أن يهوديا قال لصاحبه تعال حتى نسأل هذا النبي قال فأتى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسأله عن هذه الآية فقال هو أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرفوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة يا يهود أن لا تعتدوا في السبت فقبل يده وقال أشهد أنك نبي ﴿فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم﴾ هذا أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يسأل بني إسرائيل لتكون الحجة عليهم أبلغ وقيل إن المعنى فاسأل أيها السامع لأن العلم قد وقع بخبر الله تعالى فلا حاجة إلى الرجوع إلى أهل الكتاب وقيل إن معنى السؤال أن تنظر ما في القرآن من أخبار بني إسرائيل عن الحسن وروي عن ابن عباس أنه قرأ فسأل بني إسرائيل بمعنى فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم ﴿فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا﴾ أي معطي على السحر فهذه العجائب التي فعلتها من سحرك وقيل معناه إني لأظنك ساحرا فوضع المفعول موضع الفاعل كما يقال مشئوم وميمون في معنى شائم ويأمن وقيل معناه إنك سحرت فأنت تحمل نفسك على ما تقوله للسحر الذي بك وقيل مسحورا أي مخدوعا عن ابن عباس ﴿قال﴾ موسى ﴿لقد علمت﴾ أنت يا فرعون ﴿ما أنزل هؤلاء﴾ أي هذه الآيات ﴿إلا رب السماوات والأرض﴾ الذي خلقهن ﴿بصائر﴾ أي أنزلها حججا وبراهين للناس يبصرون بها أمور دينهم وقيل أدلة على نبوتي لأنك تعلم أنها ليست من السحر وروي أن عليا (عليه السلام) قال في ﴿علمت﴾ والله ما علم عدو الله ولكن موسى هو الذي علم فقال لقد علمت ﴿وإني لأظنك يا فرعون مثبورا﴾ معناه وإني لأعلمك يا فرعون هالكا لكفرك وإنكارك عن قتادة والحسن وقيل أعلمك ملعونا عن ابن عباس وقيل مخبولا لا عقل لك عن ابن زيد وقيل بعيدا عن الخير مصروفا عنه عن الفراء وقيل المراد به الظن على الظاهر لأن الهلاك يكون بشرط الإصرار ولا يعلم حقيقة ذلك إلا الله ﴿فأراد أن يستفزهم من الأرض﴾ معناه فأراد فرعون أن يزعج موسى ومن معه من أرض مصر وفلسطين والأردن بالنفي عنها وقيل بأن يقتلهم ﴿فأغرقناه ومن معه﴾ من جنوده ﴿جميعا﴾ لم ينج منهم أحد ولم يهلك من بني إسرائيل أحد ﴿وقلنا من بعده﴾ أي من بعد هلاك فرعون وقومه ﴿لبني إسرائيل اسكنوا الأرض﴾ أي أرض مصر والشام ﴿فإذا جاء وعد الآخرة﴾ يعني يوم القيامة عن أكثر المفسرين أي وعد الكرة الآخرة وقيل أراد نزول عيسى عن الكبي وقتادة ﴿جئنا بكم لفيفا﴾ معناه جئنا بكم من القبور إلى الموقف للحساب والجزاء مختلطين التف بعضكم ببعض لا تتعارفون ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وقيل لفيفا أي جميعا أولكم وآخركم عن ابن عباس ومجاهد ﴿وبالحق أنزلناه﴾ معناه وبالحق أنزلنا القرآن عليك ﴿وبالحق نزل﴾ القرآن وتأويله أردنا بإنزال القرآن الحق والصواب وهو أن يؤمن به ويعمل بما فيه ونزل بالحق لأنه يتضمن الحق ويدعو إلى الحق وقال البلخي يجوز أن يكون المراد أنزلنا موسى فيكون كقوله وأنزلنا الحديد ويجوز أن يكون المراد وأنزلنا الآيات أي وأنزلنا ذلك كما قال أبو عبيدة أنشدني رؤبة:

فيه خطوط من سواد وبلق

كأنه في العين توليع البهق فقلت له إن أردت الخطوط فقل كأنها وإن أردت السواد والبياض فقل كأنهما قال فقال لي كان ذا ويلك توليع البهق ﴿وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا﴾ مبشرا بالجنة لمن أطاع ومنذرا بالنار لمن عصى.