الآيات 96-100

قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿96﴾ وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴿97﴾ ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴿98﴾ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا ﴿99﴾ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا ﴿100﴾

اللغة:

الخبو سكون النار عن الالتهاب يقال خبت النار تخبو قال عدي بن زيد:

وسطه كاليراع أو سرج المجدل

حينا يخبو وحينا ينير وقال آخر:

وكنا كالحريق أصاب غابا

فيخبو ساعة وينير ساعا والقتر التضييق والقتور فعول منه للمبالغة ويقال قتر يقتر وتقتر وأقتر وقتر إذا قدر في النفقة.

الإعراب:

﴿ كفى بالله﴾ المفعول محذوف وهو الكاف والباء زيادة و﴿شهيدا﴾ تمييز والتقدير كفاك الله من جملة الشهداء ﴿من يهد الله﴾ و﴿من يضلل﴾ كلاهما شرط ووحد الضمير المتصل بيهدي ويضلل على اللفظ ثم قال ﴿فلن تجد لهم أولياء﴾ ﴿ونحشرهم﴾ الخ فجمع الضمير في كل ذلك على المعنى وقوله ﴿كلما خبت زدناهم سعيرا﴾ الجملة في موضع الحال من جهنم لأن جهنم توضع موضع متلظ ومتسعر ولو لا ذلك لم يجز مجيء الحال عنها ويجوز أن تكون الجملة لا محل لها من الإعراب ويكون في تقدير العاطفة والتقدير وكلما خبت فحذف الواو.

﴿على وجوههم﴾ في موضع نصب على الحال وتقديره مجرورين على وجوههم وقوله ﴿لو أنتم تملكون﴾.

أنتم مرفوع بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر الذي هو قوله ﴿تملكون﴾ لأن لو يقع بها الشيء لوقوع غيره فلا يليها إلا الفعل وإذا وليها اسم عمل فيه فعل مضمر قال:

لو غيركم علق الزبير بحبله

أدى الجوار إلى بني العوام.

المعنى:

ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿كفى بالله شهيدا بيني وبينكم﴾ إني رسول الله إليكم وقد مر معناه في سورة الرعد ﴿إنه كان بعباده خبيرا بصيرا﴾ لا يخفى عليه من أحوالهم شيء والمراد به تأكيد الوعيد ﴿ومن يهد الله فهو المهتد﴾ أي من يحكم الله بهداه فهو المهتد بإخلاصه وطاعته على الحقيقة ﴿ومن يضلل﴾ أي ومن يحكم بضلاله ﴿فلن تجد لهم أولياء من دونه﴾ أي لن تجد لهم أنصارا يقدرون على إزالة اسم الضلال عنهم وقد ذكرنا وجوه الهدى والضلال في سورة البقرة ﴿ونحشرهم﴾ أي نجمعهم ﴿يوم القيامة على وجوههم﴾ أي يسحبون على وجوههم إلى النار كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته وتعذيبه وروى أنس بن مالك أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة أورده البخاري ومسلم في الصحيح ﴿عميا وبكما وصما﴾ قيل المعنى عميا عما يسرهم بكما عن التكلم بما ينفعهم صما عما يمتعهم عن ابن عباس أي كأنهم عدموا هذه الجوارح وقيل يحشرون على هذه الصفة عميا كما عموا عن الحق في دار الدنيا بكما جزاء على سكوتهم عن كلمة الإخلاص وصما لتركهم سماع الحق وإصغائهم إلى الباطل قال مقاتل هذا حين يقال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون وقيل يحشرون كذلك ثم يجعلون يبصرون ويسمعون وينطقون عن الحسن ﴿مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا﴾ أي مستقرهم جهنم كلما سكن التهابها زدناهم اشتعالا فيكون كذلك دائما ومتى قيل كيف يبقى الحي حيا في تلك الحالة من الاحتراق دائما قلنا إن الله تعالى قادر على أن يمنع وصول النار إلى مقاتلهم ﴿ذلك﴾ أي ذلك الذي تقدم ذكره من العقاب ﴿جزاؤهم﴾ استحقوه ﴿بأنهم كفروا﴾ كذا في النسخ والصواب كفروا ﴿ب آياتنا﴾ أي بتكذيبهم ب آيات الله ﴿وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا﴾ مثل التراب مترضضين ﴿أإنا لمبعوثون خلقا جديدا﴾ مر معناه في هذه السورة ﴿أو لم يروا﴾ أي أو لم يعلموا ﴿أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم﴾ لأن القادر على الشيء قادر على أمثاله إذا كان له مثل أو أمثال في الجنس وإذا كان قادرا على خلق أمثالهم كان قادرا على إعادتهم إذ الإعادة أهون من الإنشاء في الشاهد وقيل أراد قادر على أن يخلقهم ثانيا وأراد بمثلهم إياهم وذلك أن مثل الشيء مساو له في حالته فجاز أن يعبر به عن الشيء نفسه يقال مثلك لا يفعل كذا بمعنى أنت لا تفعله ونحوه ليس كمثله شيء وتم الكلام هاهنا ثم قال سبحانه ﴿وجعل لهم أجلا لا ريب فيه﴾ أي وجعل لإعادتهم وقتا لا شك فيه أنه كائن لا محالة وقيل معناه وضرب لهم مدة ليتفكروا ويعلموا فيها أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة وقيل وجعل لهم أجلا يعيشون إليه ويخترمون عنده لا شك فيه ﴿فأبى الظالمون﴾ لنفوسهم الباخسون حقها بفعل المعاصي ﴿إلا كفورا﴾ أي جحودا ب آيات الله ونعمه وفي الآية دلالة على أن القادر على الشيء يجب أن يكون قادرا على جنس مثله إذا كان له مثل وعلى أنه يجب أن يكون قادرا على ضده لأن منزلته في المقدور منزلة مثله وفيه دلالة أيضا على أنه يقدر على إعادته إذا كان مما يفنى وتصح عليه الإعادة ثم قال سبحانه ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار ﴿لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي﴾ أي لو ملكتم خزائن أرزاق الله وقيل لو ملكتم مقدورات ربي أي ما يقدر عليه ربي من النعم إذ لا يكون له سبحانه موضع يخزن فيه الرحمة ثم يخرج منه كما يكون للعباد ورحمته نعمته ﴿إذا لأمسكتم﴾ شحا وبخلا ﴿خشية الإنفاق﴾ أي خشية الفقر والفاقة عن ابن عباس وقتادة وقيل خشية أن تنفقوا فتفتقروا عن السدي والمعنى لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفقر للإنفاق ﴿وكان الإنسان قتورا﴾ أي بخيلا عن ابن عباس وقتادة وهذا جواب لقولهم ﴿لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا﴾ ويقال نفقت نفقات القوم إذا نفدت وأنفقها صاحبها أي أنفدها حتى افتقر وظاهر قوله ﴿وكان الإنسان قتورا﴾ العموم وقد علمنا أن في الناس الجواد والوجه فيه أحد أمرين وهو أن يكون الأغلب عليهم من ليس بجواد فجاز الإطلاق تغليبا للأكثر وأيضا فإن ما يعطيه الإنسان وإن عد جوادا بخل في جنب ما يعطيه الله سبحانه لأن الإنسان إنما يعطي ما يفضل عن حاجته ويمسك ما يحتاج إليه والله سبحانه لا تجوز عليه الحاجة فيفيض من النعم على المطيع والعاصي إفاضة من لا يخاف الحاجة.