الآيات 153-154

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴿153﴾ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴿154﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة لا تعدوا بتسكين العين وتشديد الدال وروى ورش عن نافع لا تعدوا بفتح العين وتشديد الدال وقرأ الباقون ﴿لا تعدوا﴾ خفيفة.

الحجة:

من قرأ لا تعدوا فأصله لا تعتدوا فأدغم التاء في الدال لتقاربهما ولأن الدال تزيد على التاء في الجهر قال أبو علي وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما ولا يكون الأول حرف مد ولين نحو دابة وأصيم وتمود الثوب ويقولون أن المد يصير عوضا من الحركة وقد قالوا ثوب بكر وجيب بكر فأدغموا المد الذي فيهما أقل من المد الذي يكون فيهما إذا كان حركة ما قبلهما منهما فإذا جاز ذلك مع نقصان المد الذي فيه لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين في نحو لا تعدوا ويقوي ذلك جواز نحو أصيم ودويبة ومديق ومن قرأ لا تعدوا فإن الأصل فيه لا تعتدوا فسكن التاء ليدغمها في الدال ونقل حركتها إلى العين الساكنة قبلها فصار لا تعدوا ومن قرأ ﴿لا تعدوا﴾ فهو لا تفعلوا مثل قوله تعالى ﴿إذ يعدون في السبت﴾ وحجة الأولين وقوله ﴿اعتدوا منكم في السبت﴾.

اللغة:

قال أبو زيد يقول عدا علي اللص أشد العدو والعدوان والعداء والعدو إذا سرقك وظلمك وعدا الرجل يعدو عدوا في الحضر ، وقد عدت عينه عن ذلك أشد العدو تعدو، وعدا يعدو إذا جاوز يقال ما عدوت إن زرتك أي ما جاوزت ذلك.

الإعراب:

قوله ﴿جهرة﴾ يجوز أن يكون صفة لقولهم أي قالوا جهرة أي مجاهرة أرنا الله ويجوز أن يكون على أرنا الله رؤية ظاهرة.

النزول:

روي أن كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا يا محمد إن كنت نبيا فأتنا بكتاب من السماء جملة أي كما أتى موسى بالتوراة جملة فنزلت الآية عن السدي.

المعنى:

لما أنكر سبحانه على اليهود التفريق بين الرسل في الإيمان عقبه بالإنكار عليهم في طلبهم المحالات مع ظهور الآيات والمعجزات فقال ﴿يسئلك﴾ يا محمد ﴿أهل الكتاب﴾ يعني اليهود ﴿أن تنزل عليهم كتابا من السماء﴾ واختلف في معناه على أقوال (أحدها) أنهم سألوا أن ينزل عليهم كتابا من السماء مكتوبا كما كانت التوراة مكتوبة من عند الله في الألواح عن محمد بن كعب والسدي (وثانيها) أنهم سألوه أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتبا يأمرهم الله تعالى فيها بتصديقه واتباعه عن ابن جريج واختاره الطبري (وثالثها) أنهم سألوا أن ينزل عليهم كتابا خاصا لهم عن قتادة وقال الحسن إنما سألوا ذلك للتعنت والتحكم في طلب المعجزات لا لظهور الحق ولو سألوه ذلك استرشادا لا عنادا لأعطاهم الله ذلك ﴿فقد سألوا موسى أكبر من ذلك﴾ أي لا يعظمن عليك يا محمد مسألتهم إياك إنزال الكتب عليهم من السماء فإنهم سألوا موسى يعني اليهود أعظم من ذلك بعد ما أتاهم بالآيات الظاهرة والمعجزات القاهرة التي يكفي الواحد منها في معرفة صدقه وصحة نبوته فلم يقنعهم ذلك ﴿فقالوا أرنا الله جهرة﴾ أي معاينة ﴿فأخذتهم الصاعقة بظلمهم﴾ أنفسهم بهذا القول وقد ذكرنا قصة هؤلاء وتفسير أكثر ما في الآية في سورة البقرة عند قوله ﴿لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة﴾ الآية قوله ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور﴾ الآية ﴿ثم اتخذوا العجل﴾ أي عبدوه واتخذوه إلها ﴿من بعد ما جاءتهم البينات﴾ أي الحجج الباهرات قد دل الله بهذا على جهل القوم وعنادهم ﴿فعفونا عن ذلك﴾ مع عظم جريمتهم وخيانتهم وقد أخبر الله بهذا عن سعة رحمته ومغفرته وتمام نعمته وأنه لا جريمة تضيق عنها رحمته ولا خيانة تقصر عنها مغفرته ﴿وآتينا موسى﴾ أي أعطيناه ﴿سلطانا مبينا﴾ أي حجة ظاهرة تبين عن صدقه وصحة نبوته ﴿ورفعنا فوقهم الطور﴾ أي الجبل لما امتنعوا من العمل بما في التوراة وقبول ما جاءهم به موسى ﴿بميثاقهم﴾ أي بما أعطوا الله سبحانه من العهد ليعملن بما في التوراة وقيل معناه ورفعنا الجبل فوقهم بنقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم بأن يعملوا بما في التوراة وإنما نقضوه بعبادة العجل وغيرها عن أبي علي الجبائي وقال أبو مسلم إنما رفع الله الجبل فوقهم إظلالا لهم من الشمس بميثاقهم أي بعهدهم جزاء لهم على ذلك وهذا القول يخالف أقوال المفسرين ﴿وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا﴾ يعني باب حطة وقد مر بيانه هناك ﴿وقلنا لهم لا تعدوا في السبت﴾ أي لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أبيح لكم إلى ما حرم عليكم عن قتادة قال أمرهم الله أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت وأجاز لهم ما عداه ﴿وأخذنا منهم ميثاقا غليظا﴾ أي عهدا وثيقا وكيدا بأن يأتمروا بأوامره وينتهوا عن مناهيه وزواجره.