الآيات 82-84
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ﴿82﴾ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴿83﴾ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً ﴿84﴾
القراءة:
قرأ أبو جعفر وابن عامر برواية ابن ذكوان وناء بجانبه ممدودة مهموزة وفي حم مثله وقرأ حمزة إلا العجلي وأبو بكر برواية حماد ويحيى وعياش وأبو شعيب السوسي عن اليزيدي ونصير عن الكسائي نئي بفتح النون وكسر الهمزة وقرأ حمزة برواية العجلي وخلف والكسائي نئي بكسر النون والهمزة وقرأ الباقون ﴿نأى﴾ بفتح النون والهمزة في وزن نعى.
الحجة:
قال أبو علي ناء مثل فاع وهو على القلب وتقديره فلع ومثله رأى ورآء قال:
فكل خليل راءني فهو قائل
من أجلك هذا هامة اليوم أوغد ومن أمال الفتحتين فلأن الألف منقلبة من الياء التي في الناي فإذا أراد أن ينحو نحوها أمال فتحة النون لإمالة فتحة الهمزة وقد قالوا رأيت عمادا فأمالوا الألف لإمالة الألف فكذلك أمالوا الفتحة لإمالة الفتحة لأنهم يجرون الحركة مجرى الحرف في أشياء ومن فتح النون وكسر الهمزة فإنه لم يمل الفتحة الأولى لإمالة الفتحة الثانية كما لم يميلوا الألف لإمالة الألف في رأيت عمادا.
اللغة:
الشاكلة الطريقة والمذهب يقال هذا طريق ذو شواكل أي ينشعب منه طرق جماعة.
المعنى:
ثم أخبر سبحانه عن القرآن فقال ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين﴾ ووجه الشفاء فيه من وجوه (منها) ما فيه من البيان الذي يزيل عمى الجهل وحيرة الشك (ومنها) ما فيه من النظم والتأليف والفصاحة البالغة حد الإعجاز الذي يدل على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهو من هذه الجهة شفاء من الجهل والشك والعمى في الدين ويكون شفاء للقلوب (ومنها) أنه يتبرك به وبقراءته ويستعان به على دفع العلل والأسقام ويدفع الله به كثيرا من المكاره والمضار على ما تقتضيه الحكمة (ومنها) ما فيه من أدلة التوحيد والعدل وبيان الشرائع والأمثال والحكم وما في التعبد بتلاوته من الصلاح الذي يدعو إلى أمثاله بالمشاركة التي بينه وبينه فهو شفاء للناس في دنياهم وآخرتهم ورحمة للمؤمنين أي نعمة لهم وخصهم بذلك لأنهم المنتفعون به ﴿ولا يزيد الظالمين إلا خسارا﴾ ومعناه أنهم لا يزدادون عنده إلا خسارا يخسرون الثواب ويستحقون العقاب لكفرهم به وتركهم التدبر له والتفكر فيه وهذا كقوله فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ويحتمل أن يريد أن القرآن يظهر خبث سرائرهم وما يأتمرون به من الكيد والمكر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيفتضحون بذلك ﴿وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض﴾ عن ذكرنا أي ولى كأنه لم يقبل علينا بالدعاء والابتهال ﴿ونأى بجانبه﴾ أي بعد بنفسه عن القيام بحقوق أنعامنا فلا يشكره كما أعرض عن النعمة بالقرآن وقال مجاهد معناه تباعد منا وعلى هذا فيكون معناه تجبر وتكبر وأعجب بنفسه لأن المعجب نافر عن الناس متباعد عنهم ﴿وإذا مسه الشر كان يؤوسا﴾ معناه وإذا أصابه المحنة والشدة والفقر لم يصبر وكان قنوطا من رجاء الفرج من الله تعالى بخلاف المؤمن الذي يرجو الفرج والروح فيكون المراد بالآية خاصا وإن كان اللفظ عاما وسمي الأمراض والبلايا شرا لكونها شرا عند الكافر من حيث لا يرجو ثوابا ولا عوضا ولأن الطباع تنفر عنها وتكرهها وإلا فهي في الحقيقة صلاح وحكمة وصواب ﴿قل﴾ يا محمد لهم ﴿كل يعمل على شاكلته﴾ أي كل واحد من المؤمن والكافر يعمل على طبيعته وخليقته التي تخلق بها عن ابن عباس وقيل على طريقته وسنته التي اعتادها عن الفراء والزجاج وقيل على ما هو أشكل بالصواب وأولى بالحق عنده عن الجبائي قال ولهذا قال ﴿فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا﴾ أي أنه يعلم أي الفريقين على الهدى وأيهما على الضلالة وقيل معناه أنه أعلم بمن هو أصوب دينا وأحسن طريقا وقال بعض أرباب اللسان هذه الآية أرجى آية في كتاب الله لأن الأليق بكرمه سبحانه وجوده العفو عن عباده فهو يعمل به.