الآيات 78-81

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴿78﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴿79﴾ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ﴿80﴾ وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴿81﴾

اللغة:

الدلوك الزوال وقال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها وقيل هو الغروب وأصله من الدلك فسمي الزوال دلوكا لأن الناظر إليها يدلك عينيه لشدة شعاعها وسمي الغروب دلوكا لأن الناظر يدلك عينيه ليتبينها قال ثعلب: دلكت الشمس مالت وقال الزجاج: يقال دلكت براح وبراح أي مالت للزوال حتى صار الناظر يحتاج إذا تبصرها أن يكسر الشعاع عن بصره براحته قال الراجز:

هذا مقام قدمي رباح

للشمس حتى دلكت براح

ورباح اسم ساقي الإبل ومن قال براح بفتح الباء جعلها اسما للشمس مبنيا على فعال مثل قطام وحذام ومن روى براح بكسر الباء أراد براحته وقال الفراء: أي قال بالراحة على العين لينظر هل غابت الشمس بعد ، وغسق الليل ظهور ظلامه يقال غسقت القرحة إذا انفجرت فظهر ما فيها والتهجد التيقظ والسهر بما ينفي النوم والهجود النوم وهو الأصل هجد يهجد نام وقد هجدته إذا نومته قال لبيد:

قلت هجدنا وقد طال السري

وقدرنا إن خنا الدهر غفل

وقال آخر:

ألا طرقتنا والرفاق هجود

فباتت بعلات النوال تجود وقال الحطيئة:

ألا طرقت هند الهنود وصحبتي

بحوران حوران الجنود هجود قال المبرد: التهجد السهر للصلاة أو لذكر الله وقال علقمة: التهجد يكون بعد نومة والنافلة والنفل الغنيمة قال لبيد:

إن تقوى ربنا خير نفل

وبإذن الله ريثي وعجل أي وعجلي وعسى من الله واجبة وقد أنشد لابن مقبل في وجوبها:

ظني بهم كعسى وهم بتنوفة

يتنازعون جوائز الأمثال يريد كيقين والزهوق الهلاك والبطلان يقال زهقت نفسه إذا خرجت فكأنه قد خرجت إلى الهلاك.

الإعراب:

﴿قرآن الفجر﴾ منصوب على تقدير وأقم قرآن الفجر وانتصب قوله ﴿نافلة لك﴾ لأنه في موضع الحال.

المعنى:

ثم أمر سبحانه بعد إقامة البينات وذكر الوعد والوعيد ، بإقامة الصلاة فقال مخاطبا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد هو وغيره ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل﴾ اختلف المفسرون في الدلوك فقال قوم دلوك الشمس زوالها وهو قول ابن عباس بخلاف وابن عمر وجابر وأبي العالية والحسن والشعبي وعطا ومجاهد وقتادة والصلاة المأمور بها على هذا هي صلاة الظهر وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) ومعنى قوله ﴿لدلوك الشمس﴾ أي عند دلوكها وقال قوم دلوكها غروبها وهو قول النخعي والضحاك والسدي والصلاة المأمور بها على هذا هي المغرب وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس والقول الأول هو الأوجه لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس فصلاتا دلوك الشمس الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل هما المغرب والعشاء الآخرة والمراد بقرآن الفجر صلاة الفجر فهذه خمس صلوات وهذا معنى قول الحسن واختاره الواحدي وغسق الليل هو أول بدء الليل عن ابن عباس وقتادة وقيل هو غروب الشمس عن مجاهد وقيل هو سواد الليل وظلمته عن الجبائي وقيل هو انتصاف الليل عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) واستدل قوم من أصحابنا بالآية على أن وقت صلاة الظهر موسع إلى آخر النهار لأنه سبحانه أوجب إقامة الصلاة من وقت دلوكها إلى غسق الليل وذلك يقتضي أن ما بينهما وقت ولم يرتضه الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه قال لأن من قال إن الدلوك هو الغروب فلا دلالة فيه عنده بل يقول أوجب سبحانه إقامة المغرب من عند الغروب إلى وقت اختلاط الظلام الذي هو غروب الشفق ومن قال الدلوك هو الزوال أمكنه أن يقول إن المراد بالآية بيان وجوب الصلوات الخمس على ما ذكره الحسن لا بيان وقت صلاة واحدة وأقول إنه يمكن الاستدلال بالآية على ذلك بأن يقال إن الله سبحانه جعل من دلوك الشمس الذي هو الزوال إلى غسق الليل وقتا للصلوات الأربع إلا أن الظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى الغروب والمغرب والعشاء الآخرة اشتركا في الوقت من الغروب إلى الغسق وأفرد صلاة الفجر بالذكر في قوله ﴿وقرآن الفجر﴾ ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس وبيان أوقاتها ويؤيد ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي هذه الآية قال إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه وإلى هذا ذهب المرتضى علم الهدى قدس الله روحه في أوقات الصلوات وقال الزجاج إن في قوله ﴿وقرآن الفجر﴾ فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة لأن قوله ﴿أقم الصلاة﴾ وأقم قرآن الفجر قد أمر فيه أن يقيم الصلاة بالقراءة حتى سميت الصلاة قرآنا فلا يكون صلاة إلا بقراءة ﴿إن قرآن الفجر كان مشهودا﴾ كلهم قالوا معناه إن صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا ويجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر أورده البخاري في الصحيح ﴿ومن الليل فتهجد به﴾ خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي فصل بالقرآن عن ابن عباس ولا يكون التهجد إلا بعد النوم عن مجاهد والأسود وعلقمة وأكثر المفسرين وقال بعضهم ما تنفلت به في كل الليل يسمى تهجدا والمتهجد الذي يلقي الهجود عن نفسه كما يقال المتحرج والمتأثم ﴿نافلة لك﴾ أي زيادة لك على الفرائض وذلك أن صلاة الليل كانت فريضة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكتوبة عليه ولم تكتب على غيره وكانت فضيلة لغيره عن ابن عباس وقيل كانت واجبة عليه فنسخ وجوبها بهذه الآية وقيل إن معناه فضيلة لك وكفارة لغيرك فإن كل إنسان يخاف أن لا يقبل فرضه فيكون نفله كفارة والنبي لا يحتاج إلى كفارة عن مجاهد وقيل معناه نافلة لك ولغيرك وإنما اختصه بالخطاب لما في ذلك من دعاء الغير إلى الاقتداء به والحث على الاستنان بسنته ﴿عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا﴾ عسى من الله واجبة والمقام بمعنى البعث فهو مصدر من غير جنسه أي يبعثك يوم القيامة بعثا أنت محمود فيه ويجوز أن يجعل البعث بمعنى الإقامة كما يقال بعثت بعيري أي أثرته وأقمته فيكون معناه يقيمك ربك مقاما محمودا يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة تشرف فيه على جميع الخلائق تسأل فتعطي وتشفع فتشفع وقد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذي يشفع فيه للناس وهو المقام الذي يعطي فيه لواء الحمد فيوضع في كفه ويجتمع تحته الأنبياء والملائكة فيكون (صلى الله عليه وآله وسلّم) أول شافع وأول مشفع ﴿وقل﴾ يا محمد ﴿رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق﴾ المدخل والمخرج هنا مصدر الإدخال والإخراج فالتقدير أدخلني إدخال صدق وأخرجني إخراج صدق وفي معناه أقوال (أحدها) أن المعنى أدخلني في جميع ما أرسلتني به إدخال صدق وأخرجني منه سالما إخراج صدق أي أعني على الوحي والرسالة عن مجاهد (وثانيها) أن معناه أدخلني المدينة وأخرجني منها إلى مكة للفتح عن ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد بن جبير (وثالثها) أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر بهذا الدعاء إذا دخل في أمر أو خرج من أمر والمراد أدخلني كل أمر مدخل صدق عن أبي مسلم (ورابعها) أن المعنى أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق عن عطية عن ابن عباس ومدخل الصدق ما تحمد عاقبته في الدنيا والدين وإنما أضاف الإدخال والإخراج إليه سبحانه وإن كانا من فعل العبد لأنه سأله اللطف المقرب إلى خير الدين والدنيا ﴿واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا﴾ أي اجعل لي عزا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك وقرة تنصرني بها على من عاداني فيك وقيل اجعل لي ملكا عزيز أقهر به العصاة فنصر بالرعب حتى خافه العدو على مسيرة شهر وقيل حجة بينة أتقوى بها على سائر الأديان الباطلة عن مجاهد قال وسماه نصيرا لأنه تقع به النصرة على الأعداء فهو كالمعين ﴿وقل﴾ يا محمد ﴿جاء الحق﴾ أي ظهر الحق وهو الإسلام والدين ﴿وزهق الباطل﴾ أي وبطل الباطل وهو الشرك عن السدي وقيل الحق التوحيد وعبادة الله والباطل عبادة الأصنام عن مقاتل وقيل الحق القرآن والباطل الشيطان وزهق بطل واضمحل عن قتادة وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها ويقول ﴿جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا﴾ أورده البخاري في الصحيح قال الكلبي فجعل الصنم ينكب لوجهه إذ قال ذلك وأهل مكة يقولون ما رأينا رجلا أسحر من محمد ﴿إن الباطل كان زهوقا﴾ أي مضمحلا ذاهبا هالكا لا ثبات له.