الآيات 123-124

لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴿123﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴿124﴾

القراءة:

يدخلون الجنة بضم الياء هناك وفي مريم وحم مكي بصري وأبو جعفر وأبو بكر والباقون ﴿يدخلون﴾ بفتح الياء وضم الخاء.

الحجة:

حجة من قرأ ﴿يدخلون﴾ قوله ﴿ادخلوا الجنة ادخلوها بسلام آمنين﴾ ومن قرأ يدخلون فلأنهم لا يدخلونها حتى يدخلوها.

اللغة:

الأماني جمع أمنية وهي تقدير الأمن في النفس على جهة الاستمتاع به ووزن أمنية أفعولة من المنية وأصله التقدير يقال منى له الماني أي قدر له المقدر ومنه سميت المنية وهي فعيلة أي مقدرة والنقير النكتة في ظهر النواة كان ذلك نقر فيه.

الإعراب:

اسم ليس مضمر لدلالة الكلام عليه والتقدير ليس الأمر بأمانيكم أي ليس الثواب بأمانيكم، و﴿لا يجد﴾ مجزوم عطفا على الجزاء لا على الشرط وهو قوله ﴿يجز﴾ والوقف عند قوله ﴿أهل الكتاب﴾ وقف تام ثم استؤنف الخبر بعدها بمن يعمل ومن موضعه رفع بالابتداء على ما تقدم ذكر أمثاله ومن في قوله ﴿من الصالحات﴾ مزيدة وقيل هو للتبعيض لأن العبد لا يطيق جميعها وقيل أنه لتبيين الجنس وقال ﴿وهو مؤمن﴾ فوحد ثم قال ﴿فأولئك يدخلون الجنة﴾ فجمع لأن من اسم مبهم موحد اللفظ مجموع المعنى فيعود الضمير إليه مرة على اللفظ مرة على المعنى.

النزول:

قيل تفاخر المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم فقال المسلمون نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب وديننا الإسلام فنزلت الآية فقال أهل الكتاب نحن وأنتم سواء فأنزل الله الآية التي بعدها ﴿ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن﴾ ففلح المسلمون عن قتادة والضحاك وقيل لما قالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه وقال أهل الكتاب لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى نزلت الآية عن مجاهد.

المعنى:

لما ذكر سبحانه الوعد والوعيد قال عقيب ذلك ﴿ليس بأمانيكم﴾ معناه ليس الثواب والعقاب بأمانيكم أيها المسلمون عن مسروق والسدي وقيل الخطاب لأهل الشرك من قريش لأنهم قالوا لا نبعث ولا نعذب عن مجاهد وابن زيد ﴿ولا أماني أهل الكتاب﴾ أي ولا بأماني أهل الكتاب في أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وهذا يقوي القول الأخير على أنه لم يجر للمسلمين ذكر في الأماني وذكر أماني الكفار قد جرى في قوله ولأمنينهم هذا وقد وعد الله المؤمنين فيما بعد بما هو غاية الأماني ﴿من يعمل سوءا يجز به﴾ اختلف في تأويله على أقوال (أحدها) أنه يريد بذلك جميع المعاصي صغائرها وكبائرها وإن من ارتكب شيئا منها فإن الله سبحانه يجازيه عليها إما في الدنيا وإما في الآخرة عن عائشة وقتادة ومجاهد وروي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء فقال أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا أنه لا تصيب أحدا منكم مصيبة إلا كفر الله بها خطيئته حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه رواه الواحدي في تفسيره مرفوعا وقال القاضي أبو عاصم القارىء العامري في هذا قطع لتوهم من توهم أن المعصية لا تضر مع الإيمان كما أن الطاعة لا تنفع مع الكفر.

(وثانيها) أن المراد به مشركو قريش وأهل الكتاب عن الحسن والضحاك وابن زيد قالوا وهو كقوله وهل نجازي إلا الكفور (وثالثها) أن المراد بالسوء هنا الشرك عن ابن عباس وسعيد بن جبير ﴿ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا﴾ معناه ولا يجد هذا الذي يعمل سوءا من معاصي الله وخلاف أمره وليا يلي أمره ينصره ويحامي عنه ويدفع عنه ما ينزل به من عقوبة الله ولا نصيرا أي ناصرا ينصره وينجيه من عذاب الله ومن استدل بهذه الآية على المنع من جواز العفو عن المعاصي فإنا نقول له إن من ذهب إلى أن العموم لا ينفرد في اللغة بصيغة مختصة به لا يسلم أنها تستغرق جميع من فعل السوء بل يجوز أن يكون المراد بها بعضهم على ما ذكره أهل التأويل كابن عباس وغيره على أنهم قد اتفقوا على أن الآية مخصوصة فإن التائب ومن كانت معصيته صغيرة لا يتناوله العموم فإذا جاز لهم أن يخصصوا العموم في الآية بالفريقين جاز لنا أن نخصها بمن يتفضل الله عليه بالعفو وهذا بين والحمد لله وقوله سبحانه ﴿ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن﴾ وإنما قال ﴿وهو مؤمن﴾ ليبين أن الطاعة لا تنفع من دون الإيمان ﴿فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا﴾ وعد الله تعالى بهذه الآية جميع المكلفين من الرجال والنساء إذا عملوا الأعمال الصالحة أي الطاعات الخالصة وهم مؤمنون موحدون مصدقون نبيه بأن يدخلهم الجنة ويثبتهم فيها ولا يبخسهم شيئا مما يستحقونه من الثواب وإن كان مقدار نقير في الصغر وقد قابل سبحانه الوعيد العام في الآية التي قبل هذه الآية بالوعد العام في هذه الآية ليقف المؤمن بين الخوف والرجاء.