الآيات 31-35

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا ﴿31﴾ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ﴿32﴾ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴿33﴾ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴿34﴾ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴿35﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وابن عامر برواية ابن ذكوان كان خطأ بفتح الخاء والطاء من غير ألف بعدها وقرأ ابن كثير خطاء بكسر الخاء وممدودا والباقون ﴿خطأ﴾ بكسر الخاء من غير مد وفي الشواذ قراءة الزهري وأبي رجاء خطأ بكسر الخاء غير ممدود وقراءة الحسن خطاء بالمد وفي رواية أخرى عنه خطأ بفتح الخاء والطاء خفيفة وقرأ أهل الكوفة غير عاصم فلا تسرف بالتاء والباقون بالياء وقرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ﴿القسطاس﴾ بكسر القاف والباقون بضمها.

الحجة:

الخطأ ما لم يتعمد وكان المأثم فيه موضوعا عن صاحبه قال أبو علي: قالوا أخطأ في معنى خطىء كما أن خطىء في معنى أخطأ في مثل قوله:

عبادك يخطئون وأنت رب

كريم لا يليق بك الذموم فمجرى الكلام أنهم خاطئون وفي التنزيل لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا والمؤاخذة عن المخطىء موضوع فهذا يدل على أن أخطأنا في معنى خطئنا وكما جاء أخطأ في معنى خطىء كذلك جاء خطىء في معنى الخطإ في قوله:

يا لهف هند إذ خطئن كاهلا وفي قول الآخر:

والناس يلحون الأمير إذا هم

خطئوا الصواب ولا يلام المرشد فكذلك قراءة ابن عامر خطأ في معنى أخطأ كما جاء خطىء بمعنى أخطأ ويجوز أن يكون الخطأ بمعنى الخطء أيضا كالمثل والمثل والشبه والشبه والبدل والبدل وأما قراءة ابن كثير خطاء فإنه يجوز أيضا أن يكون مصدر خاطا وإن لم يسمع خاطا ولكن جاء ما يدل عليه وهو قوله:

تخاطأت النبل أحشاءه قال: وأنشدنا محمد ابن السري في وصف كمأة:

وأشعث قد ناولته أحرش القرى

أدرت عليه المدجنات الهواضب

تخاطأه القناص حتى وجدته

وخرطومه في منقع الماء راسب

تخاطأ يدل على خاطا لأن تفاعل مطاوع فعل كما أن تفعل مطاوع فعل ووجه من قرأ خطأ بين فإنه يقال خطىء يخطأ خطأ إذا تعمد الشيء والفاعل منه خاطىء وقد جاء الوعيد فيه في قوله تعالى لا يأكله إلا الخاطئون وأما خطاء فهو اسم بمعنى المصدر ومن أخطأت كالعطاء من أعطيت وقال ابن جني: يقال خطىء يخطأ خطأة وخطأ في الدين وإخطاء الغرض ونحوه وقد يتداخلان وأما خطأ وخط فتخفيف خطاء وخطاء قال أبو علي: وأما قوله ﴿فلا يسرف﴾ بالياء فإن فاعل يسرف يجوز أن يكون على وجهين (أحدهما) أن يكون القاتل الأول فيكون تقديره فلا يسرف القاتل في القتل ويكون مضمرا وإن لم يجر له ذكر لأن الحال تدل عليه فإن قلت كيف يكون في القتل قصد بين شيئين حتى ينهى عن الإسراف فيه الذي هو ترك القصد (فالجواب) أنه لا يمتنع أن يكون فيه الإسراف كما جاء في أموال اليتامى ولا تأكلوها إسرافا ولم يجز أن يؤكل منه لا على الاقتصاد ولا على غيره لقوله ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما﴾ الآية فكذلك لا يمتنع أن يقال للقاتل الأول لا يسرف في القتل لأنه بقتله يكون مسرفا ويكون الضمير على هذا في قوله ﴿إنه كان منصورا﴾ لقوله ﴿ومن قتل مظلوما﴾ تقديره فلا يسرف القاتل المبتدىء بقتله في القتل لأن من قتل مظلوما كان منصورا بأن يقتص له وليه أو السلطان أن لم يكن له ولي غيره فيكون هذا ردعا للقاتل عن القتل كما أن قوله ولكم في القصاص حياة كذلك فالولي إذا اقتص فإنما يقتص للمقتول ومنه انتقل إلى الولي بدلالة أن المقتول لو أبرىء من السبب المؤدي إلى القتل لم يكن للولي أن يقتص ولو صالح الولي من العمد على مال كان للمقتول أن يؤدي منه دينه ولا يمتنع أن يقال في المقتول منصور لأنه قد جاء ونصرناه من القوم الذين كذبوا ب آياتنا (والآخر) أن يكون في يسرف ضمير الولي أي فلا يسرف الولي في القتل وإسرافه فيه أن يقتل غير الذي قتل أو يقتل أكثر من قاتل وليه وكان مشركو العرب يفعلون ذلك والتقدير فلا يسرف الولي في القتل إذ الولي كان منصورا بقتل قاتل وليه والاقتصاص من القاتل ومن قرأ فلا تسرف بالتاء احتمل وجهين أيضا (أحدهما) أن يكون المبتدىء القاتل ظلما فقيل له لا تسرف أيها الإنسان فتقتل ظلما من ليس لك قتله أن من قتل مظلوما كان منصورا بأخذ القصاص له (والآخر) أن يكون الخطاب للولي فيكون التقدير فلا تسرف أيها الولي في القتل فتتعدى قاتل وليك إلى من لم يقتله أن المقتول ظلما كان منصورا وكل واحد من المقتول ظلما ومن ولي المقتول قد تقدم ذكره في قوله ﴿ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا﴾ وأما القسطاس والقسطاس فهما لغتان مثل القرطاس والقرطاس والضم أكثر.

المعنى:

ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال ﴿ولا تقتلوا أولادكم﴾ أي بناتكم ﴿خشية إملاق﴾ أي خوف فقر وعجز عن النفقة عليهن ويحتمل أن يكون قوله ﴿ولا تقتلوا﴾ منصوبا عطفا على قوله ﴿ألا تعبدوا﴾ ويجوز أن يكون على النهي فيكون مجزوما وإنما نهاهم الله عن ذلك لأنهم كانوا يئدون البنات فيدفنونهن أحياء ﴿نحن نرزقهم وإياكم﴾ أخبر سبحانه أنه متكفل برزق أولادهم ورزقهم ﴿إن قتلهم كان خطأ كبيرا﴾ يعني أن قتلهم في الجاهلية كان إثما عظيما عند الله وهو اليوم كذلك ﴿ولا تقربوا الزنى﴾ وهو وطء المرأة حراما بلا عقد ولا شبهة عقد ﴿إنه كان فاحشة﴾ أي معصية كبيرة عظيمة والمراد أنه كان عندهم في الجاهلية فاحشة وهو الآن كذلك ومثل هذا في القرآن كثير ﴿وساء سبيلا﴾ أي وبئس الطريق الزنا وفيه إشارة إلى أن العقل يقبح الزنى من حيث إنه لا يكون للولد نسب إذ ليس بعض الزناة أولى به من بعض فيؤدي إلى قطع الأنساب وإبطال المواريث وإبطال صلة الرحم وحقوق الآباء على الأولاد وذلك مستنكر في العقول وأخبرني المفيد عبد الجبار بن عبد الله بن علي قال حدثنا الشيخ أبو جعفر الطوسي قال حدثنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن حبيب الفارسي عن أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد الجرجرائي قال سمعت أبا عمرو عثمان بن الخطاب المعروف بأبي الدنيا يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول في الزنا ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا فيذهب بنور الوجه ويقطع الرزق ويسرع الفناء وأما اللواتي في الآخرة فغضب الرب وسوء الحساب والدخول في النار أو الخلود في النار ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾ وهو أن يجب عليه القتل إما لكفره أو ردته أو لأنه قتل نفسا بغير حق أو زنى وهو محصن ﴿ومن قتل مظلوما﴾ بغير حق ﴿فقد جعلنا لوليه سلطانا﴾ أي قد أثبتنا لوليه سلطان القود على القاتل أو الدية أو العفو عن ابن عباس والضحاك وقيل سلطان القود عن قتادة ﴿فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا﴾ مر تفسيره قبل ﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده﴾ فسرناه في سورة الأنعام ﴿وأوفوا بالعهد﴾ في الوصية بمال اليتيم وغيرها وقيل إن كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد وقد يجب الشيء أيضا بالنذر والعهد به وأن لم يجب ابتداء وإنما يجب عند العقد ﴿إن العهد كان مسئولا﴾ عنه للجزاء عليه فحذف عنه لأنه مفهوم وقيل إن معناه إن العهد يسأل فيقال له بما نقضت كما تسأل الموءودة بأي ذنب قتلت ﴿وأوفوا الكيل إذا كلتم﴾ أي أتموه ولا تبخسوا منه ومعناه وأوفوا الناس حقوقهم إذا كلتم عليهم ﴿وزنوا بالقسطاس﴾ وهو الميزان صغر أم كبر عن الزجاج وقيل هو القبان عن الحسن وقيل هو العدل بالرومية عن مجاهد فيكون محمولا على موافقة اللغتين و﴿المستقيم﴾ الذي لا بخس فيه ولا غبن ﴿ذلك خير﴾ أي خير ثوابا عن قتادة وقيل أقرب إلى الله عن عطا وقيل معناه أن إيفاء الكيل والوزن خير لكم في دنياكم فإنه يكسب اسم الأمانة في الدنيا ﴿وأحسن تأويلا﴾ أي وأحسن عاقبة في الآخرة ومرجعا من آل يؤول إذا رجع حث الله سبحانه بهذه الآية على إتمام الوزن والكيل في المعاملات والبياعات وإيفاء حقوق العباد.