الآيات 72-73

وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا ﴿72﴾ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿73﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير حفص ونافع وأبو عمرو وابن عامر غير هشام كأن لم يكن بالياء والباقون ﴿كأن لم تكن﴾ بالتاء وروي في الشواذ بالياء عن الحسن ليقولن بضم اللام وروي عن يزيد النحوي والحسن فأفوز بالرفع.

الحجة:

من قرأ بالياء فلأن التأنيث غير حقيقي وحسن التذكير للفصل الواقع بين الفاعل والفعل ومثل التذكير وأخذ الذين ظلموا الصيحة فمن جاءه موعظة من ربه وفي موضع آخر قد جاءتكم موعظة من ربكم فكلا الأمرين قد جاء التنزيل به ومن قرأ ليقولن بالضم فإنه أعاد الضمير إلى معنى من مثل قوله ومنهم من يستمعون إليك فإن قوله ﴿لمن ليبطئن﴾ لا يعني به رجل واحد وإنما معناه أن هناك جماعة هذه صفتهم وأما من قرأ فأفوز فإنه على أن يتمنى الفوز فكأنه قال يا ليتني أفوز ولو جعله جوابا لنصبه أي إن أكن معهم أفز.

اللغة:

التبطئة التأخر عن الأمر يقال ما بطأ بك عنا أي ما أخرك عنا ومثله الإبطاء وهو إطالة مدة العمل لقلة الانبعاث وضده الإسراع وهو قصر مدة العمل للتدبير فيه ويقال بطأ في مشيه يبطأ بطأ إذا ثقل.

الإعراب:

اللام الأولى التي في قوله ﴿لمن﴾ لام إن التي هي لام الابتداء بدلالة دخولها على الاسم والثانية التي في ﴿ليبطئن﴾ لام القسم بدلالة دخولها على الفعل مع نون التأكيد ومن موصولة بالجالب للقسم وتقديره وإن منكم لمن حلف بالله ليبطئن وإنما جاز صلة من بالقسم ولم يجز بالأمر والنهي لأن القسم خبر يوضح الموصول كما يوضح الموصوف في قولك مررت برجل لتكرمنه لأنك خصصته بوقوع الإكرام به في المستقبل من كل رجل غيره وليس كذلك في قولك مررت برجل أضربه لأنه لا يتخصص بالضرب في الأمر كما يتخصص بالخبر كان خففت النون لأنك أردت كأنه فحذفت الهاء وصارت لم عوضا مما حذفت منه قوله ﴿وكأن لم تكن بينكم وبينه مودة﴾ جملة اعترضت بين المفعول وفعله فإن قوله ﴿يا ليتني كنت معهم﴾ في موضع نصب بكونه مفعول يقولن كما أن قوله ﴿قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا﴾ في موضع نصب بكونه مفعول قال وقوله ﴿فأفوز﴾ منصوب على جواب التمني بالفاء وانتصابه بإضمار أن فيكون عطف اسم على اسم وتقديره يا ليتني كان لي حضور معهم ففوز ولو كان العطف على ظاهره لكان يا ليتني معهم ففزت.

النزول:

قيل أنها نزلت في المؤمنين لأنه خاطبهم بقوله ﴿وإن منكم﴾ وقد فرق بين المؤمنين والمنافقين بقوله ما هم منكم ولا منهم وقال أكثر المفسرين نزلت في المنافقين وإنما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس والنسب لا من جهة الإيمان وهو اختيار الجبائي.

المعنى:

لما حث الله على الجهاد بين حال المتخلفين عنه فقال ﴿وإن منكم﴾ خاطب المؤمنين ثم أضاف المنافقين إليهم فقال ﴿لمن ليبطئن﴾ أي هم منكم في الحال الظاهرة أو في حكم الشريعة من حقن الدم والمناكحة والموارثة وقيل منكم أي من عدادكم ودخلائكم ويبطيء ويبطيء بالتشديد والتخفيف معناهما واحد أي من يتأخر عن الخروج مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿فإن أصابتكم مصيبة﴾ فيه من قتل أو هزيمة قال قول الشامت المسرور بتخلفه ﴿قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا﴾ أي شاهدا حاضرا في القتال فكان يصيبني ما أصابهم وقال الصادق لو إن أهل السماء والأرض قالوا قد أنعم الله علينا إذ لم نكن مع رسول الله لكانوا بذلك مشركين ﴿ولئن أصابكم فضل من الله﴾ أي فتح أو غنيمة ﴿ليقولن﴾ يتحسر ويقول يا ليتني كنت معهم وقوله ﴿كأن لم تكن بينكم وبينه مودة﴾ اعتراض يتصل بما تقدمه قال وتقديره قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا كأن لم تكن بينكم وبينه مودة أي لا يعاضدكم على قتال عدوكم ولا يراعي الذمام الذي بينكم عن أبي علي الفارسي وقيل أنه اعتراض بين القول والتمني وتقديره ليقولن ﴿يا ليتني كنت معهم فأفوز﴾ من الغنيمة ﴿فوزا عظيما﴾ كأنه ليس بينكم وبينه مودة أي يتمنى الحضور لا لنصرتكم وإنما يتمنى النفع لنفسه وقيل إن الكلام في موضعه من غير تقديم وتأخير ومعناه ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن هذا المبطىء قول من لا تكون بينه وبين المسلمين مودة أي كأنه لم يعاقدكم على الإيمان ولم يظهر لكم مودة على حال يا ليتني كنت معهم أي يتمنى الغنيمة دون شهود الحرب وليس هذا من قول المخلصين فقد عدوا التخلف في إحدى الحالتين نقمة من الله وتمنوا الخروج معهم في إحدى الحالتين لأجل الغنيمة وليس ذلك من أمارات المودة وعلى هذا فيكون قوله ﴿كأن لم تكن بينكم وبينه مودة﴾ في موضع النصب على الحال وقال أبو علي الجبائي أنه حكاية عن المنافقين قالوا للذين أقعدوهم عن الجهاد ﴿كأن لم تكن بينكم وبينه مودة﴾ أي بين محمد مودة فتخرجوا معه لتأخذوا معه من الغنيمة وإنما قالوا ذلك ليبغضوا إليهم رسول الله ﴿يا ليتني كنت معهم﴾ وهذا التمني من قول المبطئين القاعدين تمنوا أن يكونوا معهم في تلك الغزوة ﴿فأفوز فوزا عظيما﴾ أي أصيب غنيمة عظيمة وآخذ حظا وافرا منها.