الآيـة 165
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴿165﴾
القراءة:
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب ولو ترى الذين ظلموا بالتاء على الخطاب وقرأ الباقون بالياء وكلهم قرءوا ﴿إذ يرون العذاب﴾ بفتح الياء إلا ابن عامر فإنه قرأ إذ يرون بالضم وقرأ أبو جعفر ويعقوب أن القوة لله وإن الله بكسر الهمزة فيهما والباقون بفتحها.
الحجة:
قال أبو علي حجة من قرأ ﴿ولو يرى الذين ظلموا﴾ بالياء أن لفظ الغيبة أولى من لفظ الخطاب من حيث أنه يكون أشبه بما قبله من قوله ﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا﴾ وهو أيضا أشبه بما بعده من قوله كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات وحجة من قرأ ولو ترى فجعل الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لكثرة ما جاء في التنزيل من قوله ولو ترى ويكون الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد به الكافة وأما فتح أن القوة فيمن قرأ بالتاء فلا يخلو من أن يكون ترى من رؤية البصر أو المتعدية إلى مفعولين فإن جعلته من رؤية البصر لم يجز أن يتعدى إلى أن لأنها قد استوفت مفعولها الذي تقتضيه وهو الذين ظلموا ولا يجوز أن تكون المتعدية إلى مفعولين لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى وقوله ﴿أن القوة لله﴾ لا يكون ﴿الذين ظلموا﴾ فإذا يجب أن يكون منتصبا بفعل آخر غير ترى وذلك الفعل هو الذي يقدر جوابا للو كأنه قال ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لرأوا أن القوة لله جميعا والمعنى أنهم شاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقنوا معه أنه قوي عزيز وأن الأمر ليس على ما كانوا عليه من جحودهم لذلك أو شكهم فيه ومذهب من قرأ بالياء أبين لأنهم ينصبون أن بالفعل الظاهر دون المضمر والجواب في هذا النحو يجيء محذوفا فإذا أعمل الجواب في شيء صار بمنزلة الأشياء المذكورة في اللفظ فحمل المفعول عليه يخالف ما عليه سائر هذا النحو من الآي التي حذفت الأجوبة معها لتكون أبلغ في باب التوعيد هذا كلام أبي علي الفارسي ونحن نذكر ما قاله غيره في كسر إن القوة وفتحها في الإعراب وحجة من قرأ ﴿إذ يرون العذاب﴾ قوله ورأوا العذاب وقوله ﴿وإذا رءا الذين ظلموا العذاب﴾ وحجة ابن عامر قوله ﴿كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات﴾ لأنك إذا بنيت هذا الفعل للمفعول به قلت يرون أعمالهم حسرات.
اللغة:
الأنداد والأشباه والأمثال نظائر واحدها ند وقيل هي الأضداد وأصل الند المثل المناوىء والحب خلاف البغض والمحبة هي الإرادة إلا أن فيها حذفا لا يكون في الإرادة فإذا قلت أحب زيدا فالمعنى إني أريد منافعه أو مدحه وإذا قلت أحب الله زيدا فالمعنى أنه يريد ثوابه وتعظيمه وإذا قلت أحب الله فالمعنى أريد طاعته واتباع أوامره ولا يقال أريد زيدا ولا أن الله يريد المؤمن ولا أني أريد الله فاعتيد الحذف في المحبة ولم يعتد في الإرادة وقيل إن المحبة ليست من جنس الإرادة بل هي من جنس ميل الطبع كما تقول أحب ولدي أي يميل طبعي إليه وهذا من المجاز بدلالة أنهم يقولون أحببت أن أفعل بمعنى أردت أن أ ويقال أحبه أحبابا وحبه حبا ومحبة وأحب البعير أحبابا إذا برك فلا يثور وهو كالحران في الخيل قال أبو عبيدة ومنه قوله أحببت حب الخير عن ذكر ربي أي لصقت بالأرض لحب الخيل حتى فاتتني الصلاة ويرى قال أبو علي الفارسي هو من رؤية العين يدل على ذلك تعديه إلى مفعول واحد تقديره ولو يرون أن القوة لله أي لو يرى الكفار ذلك ويدل عليه قوله ﴿إذ يرون العذاب﴾ والشدة قوة العقد وهو ضد الرخاوة والقوة والقدرة واحدة.
الإعراب:
يجوز فتح أن من ثلاثة أوجه وكسرها من ثلاثة أوجه مع القراءة بالياء فأما الفتح (فالأول) أن يفتح بإيقاع الفعل عليها بمعنى المصدر وتقديره ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب قوة الله وشدة عذابه (والثاني) أن يفتح على حذف اللام كقولك لأن القوة لله (والثالث) على تقدير لرأوا أن القوة لله وأن الله شديد العذاب على الاتصال بما حذف من الجواب وأما الوجه الأول في الكسر فعلى الاستئناف والثاني على الحكاية مما حذف من الجواب كأنه قيل لقالوا إن القوة لله والثالث على الاتصال بما حذف من الحال كأنه قيل يقولون إن القوة لله فأما مع القراءة بالتاء فيجوز أيضا كسر أن من ثلاثة أوجه وفتحها من ثلاثة أوجه فأما الفتح (فأولها) أن يكون على البدل كقولك ولو ترى الذين ظلموا إن القوة لله عليهم عن الفراء وقال أبو علي وهذا لا يجوز لأن قوله إن القوة ليس الذين ظلموا ولا بعضهم ولا مشتملا عليهم (والثاني) أن يفتح على حذف اللام كقولك لأن القوة (والثالث) لرأيت أن القوة لله وأما الكسر مع التاء فكالكسر مع الياء قال الفراء والاختيار مع الياء الفتح ومع التاء الكسر لأن الرؤية قد وقعت على الذين وجواب لو محذوف كأنه قيل لرأوا مضرة اتخاذهم الأنداد ولرأوا أمرا عظيما لا يحصر بالأوهام وحذف الجواب يدل على المبالغة كقولك لو رأيت السياط تأخذ فلانا لأن المحذوف يحتمل كل أمر ومن قرأ ﴿ولو يرى﴾ بالياء فالذين ظلموا في موضع رفع بأنهم الفاعلون ومن قرأ بالتاء فالذين ظلموا في موضع نصب وقوله ﴿جميعا﴾ نصب على الحال كأنه قيل إن القوة ثابتة لله في حال اجتماعها وهو صفة مبالغة بمعنى إذا رأوا مقدورات الله فيما تقدم الوعيد به علموا أن الله سبحانه قادر لا يعجزه شيء وقوله ﴿يحبونهم﴾ في موضع نصب على الحال من الضمير في يتخذ وإن كان الضمير في يتخذ على التوحيد لأنه يعود إلى من ويجوز أن يعود إليه الضمير على اللفظ مرة وعلى المعنى أخرى ويجوز أن يكون يحبونهم صفة لقوله ﴿أندادا﴾ قال أبو علي لو قلت كيف جاء إذ في قوله ﴿إذ يرون العذاب﴾ وهذا أمر مستقبل فالقول أنه جاء على لفظ المضي لإرادة التقريب في ذلك كما جاء وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب وإن الساعة قريب وعلى هذا قوله ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ومن هذا الضرب ما جاء في التنزيل من قوله ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ولو ترى إذ وقفوا على النار ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم.
المعنى:
﴿ومن الناس﴾ من للتبعيض هاهنا أي بعض الناس ﴿من يتخذ من دون الله أندادا﴾ يعني آلهتهم من الأوثان التي كانوا يعبدونها عن قتادة ومجاهد وأكثر المفسرين وقيل رؤساؤهم الذين يطيعونهم طاعة الأرباب من الرجال عن السدي وعلى هذا المعنى ما روى جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال هم أئمة الظلمة وأشياعهم وقوله ﴿يحبونهم كحب الله﴾ على هذا القول الأخير أدل لأنه يبعد أن يحبوا الأوثان كحب الله مع علمهم بأنها لا تنفع ولا تضر ويدل أيضا عليه قوله إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ومعنى يحبونهم يحبون عبادتهم أو التقرب إليهم أو الانقياد لهم أو جميع ذلك كحب الله فيه ثلاثة أقوال (أحدها) كحبكم الله أي كحب المؤمنين الله عن ابن عباس والحسن (والثاني) كحبهم الله يعني الذين اتخذوا الأنداد فيكون المعني به من يعرف الله من المشركين ويعبد معه الأوثان ويسوي بينهما في المحبة عن أبي علي وأبي مسلم (والثالث) ﴿كحب الله﴾ أي كالحب الواجب عليهم اللازم لهم لا الواقع ﴿والذين آمنوا أشد حبا لله﴾ يعني حب المؤمنين فوق حب هؤلاء وحبهم أشد من وجوه (أحدها) إخلاصهم العبادة والتعظيم له والثناء عليه من الإشراك (وثانيها) أنهم يحبونه عن علم بأنه المنعم ابتداء وأنه يفعل بهم في جميع أحوالهم ما هو الأصلح لهم في التدبير وقد أنعم عليهم بالكثير فيعبدونه عبادة الشاكرين ويرجون رحمته على يقين فلا بد أن يكون حبهم له أشد (وثالثها) أنهم يعلمون أن له الصفات العلى والأسماء الحسنى وأنه الحكيم الخبير الذي لا مثل له ولا نظير يملك النفع والضر والثواب والعقاب وإليه المرجع والم آب فهم أشد حبا لله بذلك ممن عبد الأوثان واختلف في معنى قوله ﴿أشد حبا﴾ فقيل أثبت وأدوم لأن المشرك ينتقل من صنم إلى صنم عن ابن عباس وقيل لأن المؤمن يعبده بلا واسطة والمشرك يعبده بواسطة عن الحسن وقوله ﴿ولو يرى الذين ظلموا﴾ تقديره ولو يرى الظالمون أي يبصرون وقيل لو يعلم هؤلاء الظالمون ﴿إذ يرون العذاب﴾ والصحيح الأول كما تقدم بيانه هذا على قراءة من قرأ بالياء ومن قرأ بالتاء فمعناه ولو ترى يا محمد عن الحسن والخطاب له والمراد غيره وقيل معناه لو ترى أيها السامع أو أيها الإنسان الظالمين إذ يرون العذاب وقوله ﴿أن القوة لله﴾ فيه حذف أي لرأيت أن القوة لله ﴿جميعا﴾ فعلى هذا يكون متصلا بجواب لو ومن قرأ بالياء فمعناه ولو يرى الظالمون أن القوة لله جميعا لرأوا مضرة فعلهم وسوء عاقبتهم ومعنى قوله ﴿أن القوة لله جميعا﴾ أن الله سبحانه قادر على أخذهم وعقوبتهم وفي هذا وعيد وإشارة إلى أن هؤلاء الجبابرة مع تعززهم إذا حشروا ذلوا وتخاذلوا وقد بينا الوجوه في فتح أن وكسرها فالمعنى تابع لها ودائر عليها وجواب لو محذوف على جميع الوجوه ﴿وأن الله شديد العذاب﴾ وصف العذاب بالشدة توسعا ومبالغة في الوصف فإن الشدة من صفات الأجسام.
النظم:
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن الله سبحانه أخبر أن مع وضوح هذه الآيات والدلالات التي سبق ذكرها أقام قوم على الباطل وإنكار الحق فكأنه قال أ بعد هذا البيان وظهور البرهان يتخذون من دون الله أندادا.