الآيات 161-162

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿161﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴿162﴾

اللغة:

واحد الناس إنسان في المعنى فأما في اللفظ فلا واحد له فهو كنفر ورهط مما يقال إنه اسم للجمع والخلود اللزوم أبدا والبقاء الوجود في وقتين فصاعدا ولذلك لم يجز في صفات الله تعالى خالد وجاز باق ولذلك يقال أخلد إلى قوله أي لزم معنى ما أتى به ومنه قوله ولكنه أخلد إلى الأرض أي مال إليها ميل اللازم لها والفرق بين الخلود والدوام أن الدوام هو الوجود في الأزل وإلا يزال فإذا قيل دام المطر فهو على المبالغة وحقيقته لم يزل من وقت كذا إلى وقت كذا والخلود هو اللزوم أبدا والتخفيف هو النقصان من المقدار الذي له والعذاب هو الألم الذي له امتداد والإنظار الإمهال قدر ما يقع النظر في الخلاص وأصل النظر الطلب فالنظر بالعين هو الطلب بالعين وكذلك النظر بالقلب أو باليد أو بغيرها من الحواس تقول أنظر الثوب أين هو أي اطلبه أين هو والفرق بين العذاب والإيلام أن الإيلام قد يكون بجزء من الألم في الوقت الواحد مقدار ما يتألم به والعذاب الألم الذي له استمرار في أوقات ومنه العذب لاستمراره في الحلق والعذبة لاستمرارها بالحركة.

الإعراب:

﴿وهم كفار﴾ جملة في موضع الحال وأجمعين تأكيد وإنما أكد به ليرتفع الإيهام والاحتمال قبل أن ينظر في تحقيق الاستدلال ولهذا لم يجز الأخفش رأيت أحد الرجلين كليهما وأجاز رأيتهما كليهما لأنك إذا ذكرت الحكم مقرونا بالدليل أزلت الإيهام للفساد وإذا ذكرته وحده فقد يتوهم عليك الغلط في المقصد وأنت لما ذكرت التثنية في قولك أحد الرجلين وذكرت أحدا كنت بمنزلة من ذكر الحكم والدليل عليه فأما ذكر التثنية في رأيتهما فبمنزلة ذكر الحكم وحده وخالدين منصوب على الحال والعامل فيه الظرف من قوله عليهم لأن فيه معنى الاستقرار للعنة وذو الحال الهاء والميم من عليهم كقولك عليهم المال صاغرين وقوله ﴿فيها﴾ الهاء يعود إلى اللعنة في قول الزجاج وإلى النار في قول أبي العالية ﴿لا يخفف عنهم العذاب﴾ جملة في موضع الحال ﴿ولا هم ينظرون﴾ كذلك وهم تأكيد لضمير في فعل مقدر يفسره هذا الظاهر تقديره ولا هم ينظرون هم.

المعنى:

لما بين سبحانه حال من كتم الحق وحال من تاب منهم عقبه بحال من يموت من غير توبة منهم أو من الكفار جميعا فقال ﴿إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار﴾ أي ماتوا مصرين على الكفر وإنما قال ﴿وماتوا وهم كفار﴾ مع أن كل كافر ملعون في حال كفره ليصير الوعيد فيه غير مشروط لأن بالموت يفوت التلافي بالتوبة فلذلك شرط سبحانه وبين أن الكفار لم يموتوا على كفرهم لم تكن هذه حالهم وقيل إن هذا الشرط إنما هو في خلود اللعنة لهم كقوله ﴿خالدين فيها﴾ ﴿أولئك عليهم لعنة الله﴾ أي إبعاده من رحمته وعقابه ﴿والملائكة والناس أجمعين﴾ فإن قيل كيف قال ﴿والناس أجمعين﴾ وفي الناس من لا يلعن الكافر فالجواب من وجوه (أحدها) أن كل أحد من الناس يلعن الكافر أما في الدنيا وأما في الآخرة أو فيهما جميعا كما قال ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا عن أبي العالية و(ثانيها) أنه أراد به المؤمنين كأنه لم يعتد بغيرهم كما يقال المؤمنون هم الناس عن قتادة والربيع و(ثالثها) أنه لا يمتنع أحد من لعن الظالمين فيدخل في ذلك الكافر لأنه ظالم عن السدي واللعنة إنما تكون من الناس على وجه الدعاء ومن الله على وجه الحكم وقوله ﴿خالدين فيها﴾ أي دائمين فيها أي في تلك اللعنة عن الزجاج والجبائي وقيل في النار لأنه كالمذكور لشهرته في حال المعذبين ولأن اللعن إبعاد من الرحمة وإيجاب للعقاب والعقاب يكون في النار وأما الخلود في اللعنة فيحتمل أمرين (أحدهما) الاستحقاق للعنة بمعنى أنها تحق عليهم أبدا (والثاني) في عاقبة اللعنة وهي النار التي لا تفنى أبدا وقوله ﴿لا يخفف عنهم العذاب﴾ أي يكون عذابهم على وتيرة واحدة فلا يخفف أحيانا ويشتد أحيانا ﴿ولا هم ينظرون﴾ أي لا يمهلون للاعتذار كما قال سبحانه ولا يؤذن لهم فيعتذرون قطعا لطمعهم في التوبة عن أبي العالية وقيل معناه لا يؤخر العذاب عنهم بل عذابهم حاضر.