الآية- 19

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴿19﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي كرها بضم الكاف هنا وفي التوبة والأحقاف ووافقهما عاصم وابن عامر ويعقوب في الأحقاف وقرأ الباقون بفتح الكاف في جميع ذلك وقرأ بفاحشة مبينة بفتح الياء ابن كثير وأبو بكر عن عاصم والباقون بكسر الياء وروي في الشواذ عن ابن عباس مبينة بكسر الياء خفيفة.

الحجة:

الكره والكره لغتان مثل الضعف والضعف والفقر والفقر والدف والدف وقال سيبويه بين الشيء وبينته وأبان الشيء وأبنته واستبان الشيء واستبنته وتبين وتبينته ومن أبيات الكتاب:

سل الهموم بكل معطي رأسه

تاج مخالط صهبة متعيس

مغتال أحبله مبين عنقه

في منكب زين المطي عرندس وفي نوادر أبي زيد:

يبينهم ذو اللب حين يراهم

بسيماهم بيضا لحاهم وأصلعا ومن كلامهم

قد بين الصبح لذي عينين.

اللغة:

العضل التضييق بالمنع من التزويج وأصله الامتناع يقال عضلت الدجاجة ببيضتها إذا عسرت عليها وعضل الفضاء بالجيش الكثير إذا لم يمكن سلوكه لضيقه ومنه الداء العضال الذي لا يبرأ والفاحشة مصدر كالعاقبة والعافية قال أبو عبيدة الفاحشة الشنار والفحش القبيح والمعاشرة المصاحبة وهو من العشرة.

الإعراب:

﴿أن ترثوا النساء﴾ في موضع رفع بأنه فاعل يحل وكرها مصدر وضع موضع الحال من النساء والعامل في الحال ترثوا ﴿ولا تعضلوهن﴾ يجوز أن يكون أيضا نصبا بكونه معطوفا على ترثوا وتقديره لا يحل لكم أن ترثوا ولا أن تعضلوا ويجوز أن يكون مجزوما على النهي.

النزول:

قيل أن أبا قيس بن الأسلت لما مات عن زوجته كبيشة بنت معن ألقى ابنه محصن بن أبي قيس ثوبه عليها فورث نكاحها ثم تركها ولم يقربها ولم ينفق عليها فجاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فنزلت الآية عن مقاتل وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وقيل كان أهل الجاهلية إذا مات الرجل جاء ابنه من غيرها أو وليه فورث امرأته كما يرث ماله وألقى عليها ثوبا فإن شاء تزوجها بالصداق الأول وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها فنهوا عن ذلك عن الحسن ومجاهد وروى ذلك أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) وقيل نزلت في الرجل تكون تحته امرأة يكره صحبتها ولها عليه مهر فيطول عليها ويضارها لتفتدي بالمهر فنهوا عن ذلك عن ابن عباس وقيل نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها وينتظر موتها حتى يرثها عن الزهري وروي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا.

المعنى:

لما نهى الله فيما تقدم عن عادات أهل الجاهلية في أمر اليتامى والأموال عقبه بالنهي عن الاستنان بسنتهم في النساء فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي يا أيها المؤمنون ﴿لا يحل لكم﴾ أي لا يسعكم في دينكم ﴿أن ترثوا النساء﴾ أي نكاح النساء ﴿كرها﴾ أي على كره منهن وقيل ليس لكم أن تحبسوهن على كره منهن طمعا في ميراثهن وقيل ليس لكم أن تسيئوا صحبتهن ليفتدين بما لهن أو بما سقتم إليهن من مهورهن أو ليمتن فترثوهن ﴿ولا تعضلوهن﴾ أي وأن لا تحبسوهن وقيل ولا تمنعوهن عن النكاح ﴿لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن﴾ واختلف في المعني بهذا النهي على أربعة أقوال (أحدها) أنه الزوج أمره الله بتخلية سبيلها إذا لم يكن له فيها حاجة وأن لا يمسكها إضرارا بها حتى تفتدي ببعض مالها عن ابن عباس وقتادة والسدي والضحاك وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (وثانيها) أنه الوارث نهي عن منع المرأة من التزويج كما كان يفعله أهل الجاهلية على ما بيناه عن الحسن (وثالثها) أنه المطلق أي لا يمنع المطلقة من التزويج كما كانت تفعله قريش في الجاهلية ينكح الرجل منه المرأة الشريفة فإذا لم توافقه فارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ويشهد عليها بذلك ويكتب كتابا فإذا خطبها خاطب فإن أرضته أذن لها وإن لم تعطه شيئا عضلها فنهى الله عن ذلك عن ابن زيد (ورابعها) أنه الولي خوطب بأن لا يمنعها عن النكاح عن مجاهد والقول الأول أصح ﴿إلا أن يأتين بفاحشة مبينة﴾ أي ظاهرة وقيل فيه قولان (أحدهما) أنه يعني إلا أن يزنين عن الحسن وأبي قلابة والسدي وقالوا إذا اطلع منها على زنية فله أخذ الفدية (والآخر) أن الفاحشة النشوز عن ابن عباس والأولى حمل الآية على كل معصية وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) واختاره الطبري.

واختلف في هذا الاستثناء وهو قوله ﴿إلا أن يأتين﴾ من ما ذا هو فقيل هو من أخذ المال وهو قول أهل التفسير وقيل كان هذا قبل الحدود وكان الأخذ منهن على وجه العقوبة لهن ثم نسخ عن الأصم وقيل هو من الحبس والإمساك على ما تقدم في قوله فأمسكوهن في البيوت عن أبي علي الجبائي وأبي مسلم إلا أن أبا علي قال إنها منسوخة وأبى أبو مسلم النسخ ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾ أي خالطوهن من العشرة التي هي المصاحبة بما أمركم الله به من أداء حقوقهن التي هي النصفة في القسم والنفقة والإجمال في القول والفعل وقيل المعروف أن لا يضربها ولا يسيء القول فيها ويكون منبسط الوجه معها وقيل هو أن يتصنع لها كما تتصنع له ﴿فإن كرهتموهن﴾ أي كرهتم صحبتهن وإمساكهن ﴿فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه﴾ أي في ذلك الشيء وهو إمساكهن على كره منكم ﴿خيرا كثيرا﴾ من ولد يرزقكم أو عطف لكم عليهن بعد الكراهة وبه قال ابن عباس ومجاهد فعلى هذا يكون المعنى إن كرهتموهن فلا تعجلوا طلاقهن لعل الله يجعل فيهن خيرا كثيرا وفي هذا حث للأزواج على حسن الصبر فيما يكرهون من الأزواج وترغيبهم في إمساكهن مع كراهة صحبتهن إذا لم يخافوا في ذلك من ضرر على النفس أو الدين أو المال ويحتمل أن يكون الهاء عائدا إلى الذي تكرهونه أي عسى أن يجعل الله فيما تكرهونه خيرا كثيرا والمعنى مثل الأول وقيل المعنى ويجعل الله في فراقكم لهن خيرا عن الأصم قال ونظيره وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته قال القاضي وهذا بعيد لأن الله تعالى حث على الاستمرار على الصحبة فكيف يحث على المفارقة.