الآيات 15-16

وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴿15﴾ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴿16﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير والذان يأتيانها بتشديد النون وكذلك فذانك وهذان أو هاتين وقرأ الباقون بتخفيف ذلك كله إلا أبا عمرو فإنه شدد فذانك وحدها.

الحجة:

قال أبو علي القول في تشديد نون التثنية أنه عوض عن الحذف الذي لحق الكلمة أ لا ترى أن ذا قد حذف لامها وقد حذف الياء من اللذان في التثنية واتفق اللذان وهذان في التعويض كما اتفقا في فتح الأوائل منهما في التحقير مع ضمها في غيرهما وذلك في نحو اللذيا واللتيا وذيا وتيا.

اللغة:

اللاتي جمع التي وكذلك اللواتي قال:

من اللواتي والتي واللاتي

زعمن أني كبرت لداتي وقد تحذف التاء من اللاتي فيقال اللاي قال:

من اللاي لم يحججن يبغين حسبة

ولكن ليقتلن البريء المغفلا.

المعنى:

لما بين سبحانه حكم الرجال والنساء في باب النكاح والميراث بين حكم الحدود فيهن إذا ارتكبن الحرام فقال ﴿واللاتي يأتين الفاحشة﴾ أي يفعلن الزنا ﴿من نسائكم﴾ الحرائر فالمعنى اللاتي يزنين ﴿فاستشهدوا عليهن أربعة منكم﴾ أي من المسلمين يخاطب الحكام والأئمة ويأمرهم بطلب أربعة من الشهود في ذلك عند عدم الإقرار وقيل هو خطاب للأزواج في نسائهم أي فأشهدوا عليهن أربعة منكم وقال أبو مسلم المراد بالفاحشة في الآية هنا الزنا أن تخلو المرأة في الفاحشة المذكورة عنهن وهذا القول مخالف للإجماع ولما عليه المفسرون فإنهم أجمعوا على أن المراد بالفاحشة هنا الزنا ﴿فإن شهدوا﴾ يعني الأربعة ﴿فأمسكوهن﴾ أي فاحبسوهن ﴿في البيوت حتى يتوفاهن الموت﴾ أي يدركهن الموت فيمتن في البيوت وكان في مبدإ الإسلام إذا فجرت المرأة وقام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت ثم نسخ ذلك بالرجم في المحصنين والجلد في البكرين ﴿أو يجعل الله لهن سبيلا﴾ قالوا لما نزل قوله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم وقال بعض أصحابنا إن من وجب عليه الرجم يجلد أولا ثم يرجم وبه قال الحسن وقتادة وجماعة من الفقهاء وقال أكثر أصحابنا إن ذلك يختص بالشيخ والشيخة فأما غيرهما فليس عليه غير الرجم وحكم هذه الآية منسوخ عند جمهور المفسرين وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وقال بعضهم إنه غير منسوخ لأن الحبس لم يكن مؤبدا بل كان مستندا إلى غاية فلا يكون بيان الغاية نسخا له كما لو قال افعلوا كذا إلى رأس الشهر وقد فرق بين الموضعين فإن الحكم المعلق بمجيء رأس الشهر لا يحتاج إلى بيان صاحب الشرع بخلاف ما في الآية وقوله ﴿و اللذان يأتيانها منكم﴾ أي يأتيان الفاحشة وفيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنهما الرجل والمرأة عن الحسن وعطا (وثانيها) أنهما البكران من الرجال والنساء عن السدي وابن زيد (وثالثها) أنهما الرجلان الزانيان عن مجاهد وهذا لا يصح لأنه لو كان كذلك لما كان للتثنية معنى لأن الوعد والوعيد إنما يأتي بلفظ الجمع فيكون لكل واحد منهم أو بلفظ الواحد لدلالته على الجنس فأما التثنية فلا فائدة فيها وقال أبو مسلم هما الرجلان يخلوان بالفاحشة بينهما والفاحشة في الآية الأولى عنده السحق وفي الآية الثانية اللواط فحكم الآيتين عنده ثابت غير منسوخ وإلى هذا التأويل ذهب أهل العراق فلا حد عندهم في اللواط والسحق وهذا بعيد لأن الذي عليه جمهور المفسرين أن الفاحشة في آية الزنا وأن الحكم في الآية منسوخ بالحد المفروض في سورة النور ذهب إليه الحسن ومجاهد و قتادة والسدي والضحاك وغيرهم وإليه ذهب البلخي والجبائي والطبري وقال بعضهم نسخها الحدود بالرجم أو الجلد وقوله ﴿فآذوهما﴾ قيل في معناه قولان (أحدهما) هو التعيير باللسان والضرب بالنعال عن ابن عباس (والآخر) أنه التعيير والتوبيخ باللسان عن قتادة والسدي ومجاهد واختلف في الأذى والحبسفي الثيبين كيف كان فقال الحسن كان الأذى أولا والآية الأخيرة نزلت من قبل ثم أمرت أن توضع في التلاوة من بعد فكان الأول الأذى ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم وقال السدي كان الحبس في الثيبين والأذى في البكرين وقيل كان الحبس للنساء والأذى للرجال وقال الفراء إن الآية الأخيرة نسخت الآية الأولى وقوله ﴿فإن تابا﴾ أي رجعا عن الفاحشة ﴿وأصلحا﴾ العمل فيما بعده ﴿فأعرضوا عنهما﴾ أي اصفحوا عنهما وكفوا عن أذاهما ﴿إن الله كان توابا رحيما﴾ يقبل التوبة عن عباده ويرحمهم قال الجبائي في الآية دلالة على نسخ القرآن بالسنة لأنها نسخت بالرجم أو الجلد والرجم قد ثبت بالسنة ومن لم يجوز نسخ القرآن بالسنة يقول إن هذه الآية نسخت بالجلد في الزنا وأضيف الرجم إليه زيادة لا نسخا وأما الأذى المذكور في الآية فغير منسوخ فإن الزاني يؤذى ويعنف على فعله ويذم به لكنه لم يقتصر عليه بل زيد فيه بأن أضيف الجلد أو الرجم إليه.