الآيـة 154

وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴿154﴾

اللغة:

السبيل الطريق وسبيل الله طريق مرضاته وإنما قيل للجهاد سبيل الله لأنه طريق إلى ثواب الله عز وجل والقتل هو نقض بنية الحياة والموت عند من قال أنه معنى عرض ينافي الحياة منافاة التعاقب ومن قال أنه ليس بمعنى قال هو عبارة عن بطلان الحياة وهو الأصح فأما الحياة فلا خلاف في أنها معنى وهي عرض يصير الجملة كالشيء الواحد حتى يصير قادرا واحدا عالما واحدا مريدا واحدا ولا يقدر على فعل الحياة إلا الله سبحانه والشعور هو ابتداء العلم بالشيء من جهة المشاعر وهي الحواس ولذلك لا يوصف تعالى بأنه شاعر ولا بأنه يشعر وإنما يوصف بأنه عالم ويعلم وقيل إن الشعور هو إدراك ما دق للطف الحس مأخوذ من الشعر لدقته ومنه الشاعر لأنه يفطن من إقامة الوزن وحسن النظم لما لا يفطن له غيره.

الإعراب:

قوله ﴿أموات﴾ مرفوع بأنه خبر مبتدإ محذوف تقديره لا تقولوا هم أموات ولا يجوز فيه النصب كما يجوز قلت حسنا لأن حسنا في موضع المصدر كأنه قال قلت قولا حسنا فأما قوله ويقولون طاعة فيجوز فيه النصب في العربية على تقدير نطيع طاعة والفرق بين بل ولكن أن لكن نفي لأحد الشيئين وإثبات للآخر كقولك ما قام زيد لكن عمرو وليس كذلك بل لأنها إضراب عن الأول وإثبات للثاني ولذلك وقعت في الإيجاب كقولك قام زيد بل عمرو.

النزول:

عن ابن عباس أنها نزلت في قتلي بدر وقتل من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار وكانوا يقولون مات فلان فأنزل الله تعالى هذه الآية.

المعنى:

لما أمر الله سبحانه بالصبر والصلاة للازدياد في القوة بهما على الجهاد قال ﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات﴾ فنهى أن يسمى من قتل في الجهاد أمواتا ﴿بل أحياء﴾ أي بل هم أحياء وقيل فيه أقوال (أحدها) وهو الصحيح أنهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة وهو قول ابن عباس وقتادة ومجاهد وإليه ذهب الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء واختاره الجبائي والرماني وجميع المفسرين (والثاني) أن المشركين كانوا يقولون إن أصحاب محمد يقتلون نفوسهم في الحروب بغير سبب ثم يموتون فيذهبون فأعلمهم الله أنه ليس الأمر على ما قالوه وأنهم سيحيون يوم القيامة ويثابون عن البلخي ولم يذكر ذلك غيره و(الثالث) معناه لا تقولوا هم أموات في الدين بل هم أحياء بالطاعة والهدى ومثله قوله سبحانه أومن كان ميتا فأحييناه فجعل الضلال موتا والهداية حياة عن الأصم و(الرابع) أن المراد أنهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله هلك خزان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة والمعتمد هو القول الأول لأن عليه إجماع المفسرين ولأن الخطاب للمؤمنين وكانوا يعلمون أن الشهداء على الحق والهدى وأنهم ينشرون ويحيون يوم القيامة فلا يجوز أن يقال لهم ﴿ولكن لا تشعرون﴾ من حيث أنهم كانوا يشعرون ذلك ويقرون به ولأن حمله على ذلك يبطل فائدة تخصيصهم بالذكر ولو كانوا أيضا أحياء بما حصل لهم من جميل الثناء لما قيل أيضا ولكن لا تشعرون لأنهم كانوا يشعرون ذلك ووجه تخصيص الشهداء بكونهم أحياء وإن كان غيرهم من المؤمنين قد يكونون أحياء في البرزخ أنه على جهة التقديم للبشارة بذكر حالهم ثم البيان لما يختصون به من أنهم يرزقون كما في الآية الأخرى يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله فإن قيل نحن نرى جثث الشهداء مطروحة على الأرض لا تنصرف ولا يرى فيها شيء من علامات الأحياء فالجواب أن على مذهب من يقول بالإنسان من أصحابنا أن الله تعالى يجعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا يتنعمون فيها دون أجسامهم التي في القبور فإن النعيم والعذاب إنما يحصل عنده إلى النفس التي هي الإنسان المكلف عنده دون الجثة ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ أبو جعفر في كتاب تهذيب الأحكام مسندا إلى علي بن مهزيار عن القاسم بن محمد عن الحسين بن أحمد عن يونس بن ظبيان قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا فقال ما يقول الناس في أرواح المؤمنين قلت يقولون في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش فقال أبو عبد الله سبحان الله المؤمن أكرم على الله أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر يا يونس المؤمن إذا قبضه الله تعالى صير روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا وعنه عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أرواح المؤمنين فقال في الجنة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت فلان فأما على مذهب من قال من أصحابنا إن الإنسان هذه الجملة المشاهدة وإن الروح هو النفس المتردد في مخارق الحيوان وهو أجزاء الجو فالقول إنه يلطف أجزاء من الإنسان لا يمكن أن يكون الحي حيا بأقل منها يوصل إليها النعيم وإن لم تكن تلك الجملة بكمالها لأنه لا معتبر بالأطراف وأجزاء السمن في كون الحي حيا فإن الحي لا يخرج بمفارقتها من كونه حيا وربما قيل بأن الجثة يجوز أن تكون مطروحة في الصورة ولا تكون ميتة فتصل إليها اللذات كما أن النائم حي وتصل إليه اللذات مع أنه لا يحس ولا يشعر بشيء من ذلك فيرى في النوم ما يجد به السرور والالتذاذ حتى أنه يود أن يطول نومه فلا ينتبه وقد جاء في الحديث أنه يفسح له مد بصره ويقال له نم نومة العروس وقوله ﴿ولكن لا تشعرون﴾ أي لا تعلمون أنهم أحياء وفي هذه الآية دلالة على صحة مذهبنا في سؤال القبر وإثابة المؤمن فيه وعقاب العصاة على ما تظاهرت به الأخبار وإنما حمل البلخي الآية على حياة الحشر لإنكاره عذاب القبر.