الآيـة 152

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴿152﴾

اللغة:

الذكر حضور المعنى للنفس وقد يكون بالقلب وقد يكون بالقول وكلاهما يحضر به المعنى للنفس وفي أكثر الاستعمال يقال الذكر بعد النسيان وليس ذلك بموجب أن لا يكون إلا بعد نسيان لأن كل من حضره المعنى بالقول أو العقد أو الخطور بالبال ذاكر له وأصله التنبيه على الشيء فمن ذكرته شيئا فقد نبهته عليه وإذا ذكر بنفسه فقد تنبه عليه والذكر الشرف والنباهة والفرق بين الذكر والخاطر أن الخاطر ما يمر بالقلب والذكر قد يكون القول أيضا وفي قوله ﴿واشكروا لي﴾ محذوف أي اشكروا لي نعمتي لأن حقيقة الشكر الاعتراف بالنعمة وفي قوله ﴿ولا تكفرون﴾ أيضا محذوف لأن الكفر هو ستر النعمة وجحدها لا ستر المنعم وقولهم حمدت زيدا وذممته لا حذف فيه وإن كنت إنما تحمد أو تذم من أجل الفعل كما أنه ليس في قولك زيد متحرك حذف وإن كان إنما تحرك لأجل الحركة فليس كل كلام دل على معنى غير مذكور يكون فيه حذف ألا ترى أن قولك زيد ضارب دل على مضرب وليس بمحذوف فالحمد للشيء دلالة على أنه محسن والذم للشيء دلالة على أنه مسيء كقولهم نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو وقالوا شكرتك وشكرت لك وإنما قيل شكرتك لإيقاع اسم المنعم موقع النعمة فعدي الفعل بغير واسطة والأجود شكرت لك النعمة لأنه الأصل في الكلام قال الشاعر:

هم جمعوا بؤسي ونعمى عليكم فهلا شكرت القوم إذ لم تقابل ومثل ذلك نصحتك ونصحت لك ذكرنا الموجه في حذف الياء في مثل ﴿ولا تكفرون﴾ فيما مضى.

المعنى:

﴿فاذكروني أذكركم﴾ قيل معناه اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي عن سعيد بن جبير بيانه قوله سبحانه وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وقيل اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي عن ابن عباس وبيانه قوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقيل اذكروني بالشكر أذكركم بالزيادة عن ابن كيسان بيانه لئن شكرتم لأزيدنكم وقيل اذكروني على ظهر الأرض أذكركم في بطنها وقد جاء في الدعاء اذكروني عند البلاء إذا نسيني الناسون من الورى وقيل اذكروني في الدنيا أذكركم في العقبي وقيل اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء وبيانه قوله سبحانه فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون وفي الخبر تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وقيل اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة بيانه قوله ادعوني أستجب لكم وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الملك ينزل الصحيفة من أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم فأملوا في أولها خيرا وفي آخرها خيرا فإن الله يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله فإن الله يقول ﴿اذكروني أذكركم﴾ وقال الربيع في هذه الآية إن الله عز وجل ذاكر من ذكره وزائد من شكره ومعذب من كفره وقوله ﴿واشكروا لي﴾ أي اشكروا نعمتي وأظهروها واعترفوا بها ﴿ولا تكفرون﴾ ولا تستروا نعمتي بالجحود يعني بالنعمة قوله ﴿كما أرسلنا فيكم رسولا منكم﴾ الآية.