الآيـة 148

وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿148﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم هو مولاها وروي ذلك عن ابن عباس ومحمد بن علي الباقر والباقون ﴿هو موليها﴾.

الحجة:

من قرأ ﴿هو موليها﴾ فالضمير الذي هو هو لله تعالى والتقدير الله موليها إياه حذف المفعول الثاني لجري ذكره المظهر وهو كل في قوله ﴿ولكل وجهة﴾ وهو مبتدأ وموليها خبره والجملة التي هي هو موليها في موضع رفع لكونها وصفا لوجهة من قرأ هو مولاها فالضمير الذي هو هو لكل وقد جرى ذكره وقد استوفى الاسم الجاري على الفعل المبني للمفعول مفعوليه اللذين يقتضيهما أحدهما الضمير المرفوع من مولى والآخر ضمير المؤنث ويجوز أن يكون الضمير الذي هو هو في قوله ﴿هو موليها﴾ عائدا إلى كل والتقدير لكل وجهة هو موليها وجهة أي كل أهل وجهة هم الذين ولوا وجوههم إلى تلك الجهة.

اللغة:

اختلف أهل العربية في وجهة فبعضهم يذهب إلى أنه مصدر شذ عن القياس فجاء مصححا ومنهم من يقول هو اسم ليس بمصدر جاء على أصله وأنه لو كان مصدرا جاء مصححا للزم أن يجيء فعله أيضا مصححا ألا ترى أن هذا المصدر إنما اعتل على الفعل حيث كان عاملا عمله وكان على حركاته وسكونه فلو صح لصح الفعل لأن هذه الأفعال المعتلة إذا صحت في موضع تبعها باقي ذلك فوجهة اسم للمتوجه والجهة المصدر قالوا وجه الحجر جهة ما له يريدون هنا المصدر وما زائدة وله في موضع الصفة للنكرة والاستباق والابتدار والإسراع نظائر وله في هذا الأمر سبقة وسابقة وسبق أي سبق الناس إليه.

المعنى:

هذا بيان لأمر القبلة أيضا وقوله ﴿و لكل وجهة﴾ فيه أقوال (أحدها) أن معناه لكل أهل ملة من اليهود والنصارى قبلة عن مجاهد وأكثر المفسرين و(ثانيها) أن لكل نبي وصاحب ملة وجهة أي طريقة وهي الإسلام وإن اختلفت الأحكام كقوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا يعني شرائع الأنبياء عن الحسن و(ثالثها) أن لكل من المسلمين وأهل الكتاب قبلة يعني صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة عن قتادة و(رابعها) أن لكل قوم من المسلمين وجهة من كان منهم وراء الكعبة أو قدامها أو عن يمينها أو عن شمالها وهو اختيار الجبائي ﴿هو موليها﴾ أي الله موليها إياهم ومعنى توليته لهم إياها أنه أمرهم بالتوجه نحوها في صلاتهم إليها ويدل على ذلك قوله فلنولينك قبلة ترضاها وقيل معناه لكل مولي الوجهة وجهة أو نفسه إلا أنه استغنى عن ذكر النفس والوجه وكل وإن كان مجموع المعنى فهو موحد اللفظ فجاء البناء على لفظه فلذلك قال هو في الكناية عنه وإن كان المراد به الجمع والمعنى كل جماعة منهم يولونها وجوههم ويستقبلونها وقوله ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ معناه سارعوا إلى الخيرات عن الربيع والخيرات هي الطاعات لله تعالى وقيل معناه بادروا إلى القبول من الله عز وجل فيما يأمركم به مبادرة من يطلب السبق إليه عن الزجاج وقيل معناه تنافسوا فيما رغبتم فيه من الخير فلكل عندي ثوابه عن ابن عباس وقوله ﴿أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا﴾ أي حيثما متم من بلاد الله سبحانه يأت بكم الله إلى المحشر يوم القيامة وروي في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان قال الرضا (عليه السلام) وذلك والله لو قام قائمنا يجمع الله إليه جميع شيعتنا من جميع البلدان ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾ أي هو قادر على جمعكم وحشركم وعلى كل شيء.