الآية- 151
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿151﴾
اللغة:
تعالوا مشتق من العلو على تقدير أن الداعي في المكان العالي وإن كان في مستو من الأرض كما يقال للإنسان ارتفع إلى صدر المجلس والتلاوة مثل القراءة والمتلو مثل المقروء والتلاوة غير المتلو كما أن الحكاية غير المحكي فالمتلو والمحكي هو الكلام الأول والتلاوة والحكاية هي الثاني منه على طريق الإعادة والإملاق الإفلاس من المال والزاد ومنه الملق والتملق لأنه اجتهاد في تقرب المفلس للطمع في العطية والفواحش جمع فاحشة وهو القبيح العظيم القبح والقبيح يقع على الصغير والكبير لأنه يقال القرد قبيح الصورة ولا يقال فاحش الصورة وضد القبيح الحسن وليس كذلك الفاحش.
الإعراب:
﴿ما حرم ربكم﴾ في موضع نصب بقوله ﴿أتل﴾ المعنى أتل الذي حرمه ربكم عليكم فيكون ما موصولة وجائز أن يكون في موضع نصب بحرم لأن التلاوة بمنزلة القول فكأنه قال أقول أي شيء حرم ربكم عليكم أهذا أم هذا فجائز أن يكون الذي تلاه عليهم قوله إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ويكون ﴿ألا تشركوا به﴾ منصوبة بمعنى طرح اللام أي أبين لكم الحرام لأن لا تشركوا لأنهم إذا حرموا ما أحل الله فقد جعلوا غير الله في القبول منه بمنزلة الله سبحانه فصاروا بذلك مشركين ويجوز أن يكون ﴿ألا تشركوا به شيئا﴾ محمولا على المعنى فيكون المعنى أتل عليكم ألا تشركوا أي أتل عليكم تحريم الشرك ويجوز أن يكون على معنى أوصيكم أن لا تشركوا به شيئا لأن قوله ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ محمول على معنى أوصيكم بالوالدين إحسانا هذا كله قول الزجاج و﴿ تشركوا﴾ يجوز أن يكون منصوبا بأن ويكون لا للنفي ويجوز أن يكون مجزوما بلا على النهي وإذا كان منصوبا فيكون قوله ﴿ولا تقتلوا أولادكم﴾ عطفا بالنهي على الخبر وجاز ذلك كما جاز في قوله ﴿قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين﴾ وقال جامع العلوم البصير الأصفهاني يجوز أن تقف على ﴿عليكم﴾ ثم تبتدىء بأن لا تشركوا أي هو أن لا تشركوا أي هو الإشراك أي المحرم الإشراك ولا زيادة ويجوز أن يكون ما استفهاما فيقف على قوله ﴿ربكم﴾ ثم يبتدىء فيقول ﴿عليكم ألا تشركوا﴾ أي عليكم ترك الإشراك وهذا وقف بيان وتمام قوله ﴿قل تعالوا﴾ عند قوله ﴿بلقاء ربهم يؤمنون﴾ لأن قوله ﴿وأن هذا صراطي﴾ فيمن فتح معطوف على قوله ﴿ما حرم﴾ أي أتل هذا وهذا ومن كسر فالتقدير (وقل إن هذا صراطي) وكذلك ﴿ثم آتينا﴾ أي وقل ثم آتينا وهذا كله داخل في التلاوة والقول.
المعنى:
لما حكى سبحانه عنهم تحريم ما حرموه عقبه بذكر المحرمات فقال سبحانه ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿تعالوا﴾ أي أقبلوا وادنوا ﴿أتل﴾ أي أقرأ ﴿ما حرم ربكم عليكم﴾ أي منعكم عنه بالنهي ثم بدأ بالتوحيد فقال ﴿ألا تشركوا به شيئا﴾ أي أمركم أن لا تشركوا ولا فرق بين أن تقول لا تشركوا به شيئا وبين أن تقول حرم ربكم عليكم أن تشركوا به شيئا إذ النهي يتضمن التحريم وقد ذكرنا ما يحتمله من المعاني في الإعراب وقد قيل أيضا أن الكلام قد تم عند قوله ﴿حرم ربكم﴾ ثم قال ﴿عليكم ألا تشركوا﴾ كقوله سبحانه ﴿عليكم أنفسكم﴾ ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ أي وأوصى بالوالدين إحسانا ويدل على ذلك أن في حرم كذا معنى أوصى بتحريمه وأمر بتجنبه ولما كانت نعم الوالدين تالية نعم الله سبحانه في الرتبة أمر بالإحسان إليهما بعد الأمر بعبادة الله تعالى ﴿ولا تقتلوا أولادكم من إملاق﴾ أي خوفا من الفقر عن ابن عباس وغيره ﴿نحن نرزقكم وإياهم﴾ أي فإن رزقكم ورزقهم جميعا علينا ﴿ولا تقربوا الفواحش﴾ أي المعاصي والقبائح كلها ﴿ما ظهر منها وما بطن﴾ أي ظاهرها وباطنها عن الحسن وقيل أنهم كانوا لا يرون بالزنا في السر بأسا ويمنعون منه علانية فنهى الله سبحانه عنه في الحالتين عن ابن عباس والضحاك والسدي وقريب منه ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن ما ظهر هو الزنا وما بطن هو المخالة وقيل أن ما ظهر أفعال الجوارح وما بطن أفعال القلوب فالمراد ترك المعاصي كلها وهذا أعم فائدة ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾ أعاد ذكر القتل وإن كان داخلا في الفواحش تفخيما لشأنه وتعظيما لأمره والنفس المحرم قتلها هي نفس المسلم والمعاهد دون الحربي والحق الذي يستباح به قتل النفس المحرم قتلها ثلاثة أشياء القود والزنا بعد إحصان والكفر بعد إيمان ﴿ذلكم﴾ خطاب لجميع الخلق أي ما ذكر في هذه الآية ﴿وصاكم به﴾ أي أمركم به ﴿لعلكم تعقلون﴾ أي لكي تعقلوا ما أمركم الله تعالى به فتحللوا ما حلله لكم وتحرموا ما حرمه عليكم ودل قوله سبحانه ﴿وصاكم به﴾ على أن الوصية مضمرة في أول الآية على ما قلناه وفي قوله سبحانه ﴿ألا تشركوا به شيئا﴾ دلالة على أن التكليف قد يتعلق بأن لا يفعل كما يتعلق بالفعل وعلى أنه يستحق الثواب والعقاب على أن لا يفعل وهو الصحيح من المذهب.