الآيـة 137

فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العليمُ ﴿137﴾

اللغة:

الشقاق المنازعة والمحاربة ويحتمل أن يكون أصله مأخوذا من الشق لأنه صار في شق غير شق صاحبه للعداوة والمباينة ويحتمل أن يكون مأخوذا من المشقة لأن كل واحد منهما يحرص على ما يشق على صاحبه ويؤذيه والكفاية بلوغ الغاية يقال يكفي ويجزي ويغني بمعنى واحد وكفى يكفي كفاية إذا قام بالأمر وكفاك هذا الأمر أي حسبك ورأيت رجلا كافيك من رجل أي كفاك به رجلا.

الإعراب:

الباء في قوله ﴿بمثل ما آمنتم به﴾ يحتمل ثلاثة أشياء (أحدها) أن تكون زائدة والتقدير فإن آمنوا مثل ما آمنتم به أي مثل إيمانكم به كما يقال كفى بالله أي كفى الله قال الشاعر:

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

(والثاني) أن يكون المعنى بمثل هذا ولا تكون زائدة كأنه قال فإن آمنوا على مثل إيمانكم كما تقول كتبت على مثل ما كتبت وبمثل ما كتبت كأنك تجعل المثل آلة توصل بها إلى العمل وهذا أجود من الأول (والثالث) أن تلغي مثل كما ألغيت الكاف في قوله فجعلهم كعصف مأكول وهذا أضعف الوجوه لأنه إذا أمكن حمل كلام الله على فائدة فلا يجوز حمله على الزيادة وزيادة الاسم أضعف من زيادة الحرف نحو ما ولا وما أشبه ذلك وقوله ﴿فقد اهتدوا﴾ في محل الجزم أو في محل الرفع لأنه جواب شرط مبني وكذلك قوله ﴿فإنما هم في شقاق﴾ وإنما حرف لإثبات الشيء ونفي غيره وهم مبتدأ وفي شقاق في موضع خبره.

النزول:

لما نزل قوله تعالى قولوا آمنا بالله الآية قرأها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على اليهود والنصارى فلما سمعت اليهود ذكر عيسى أنكروا وكفروا وقالت النصارى إن عيسى ليس كسائر الأنبياء لأنه ابن الله فنزلت الآية.

المعنى:

﴿فإن آمنوا﴾ أخبر الله سبحانه أن هؤلاء الكفار متى آمنوا على حد ما آمن المؤمنون به ﴿فقد اهتدوا﴾ إلى طريق الجنة وقيل سلكوا طريق الاستقامة والهداية وقيل كان ابن عباس يقول اقرءوا بما آمنتم به فليس لله مثل وهذا محمول على أنه فسر الكلام لا أنه أنكر القراءة الظاهرة مع صحة المعنى وقوله ﴿وإن تولوا﴾ أي أعرضوا عن الإيمان وجحدوه ولم يعترفوا به ﴿فإنما هم في شقاق﴾ أي في خلاف قد فارقوا الحق وتمسكوا بالباطل فصاروا مخالفين لله سبحانه عن ابن عباس وقريب منه ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال يعني في كفر وقيل في ضلال عن أبي عبيدة وقيل في منازعة ومحاربة عن أبي زيد وقيل في عداوة عن الحسن ﴿فسيكفيكهم الله﴾ وعد الله سبحانه رسوله بالنصرة وكفاية من يعاديه من اليهود والنصارى الذين شاقوه وفي هذا دلالة بينة على نبوته وصدقه (صلى الله عليه وآله وسلّم) المعنى أن الله سبحانه يكفيك يا محمد أمرهم ﴿وهو السميع﴾ لأقوالهم ﴿العليم﴾ بأعمالهم في إبطال أمرك ولن يصلوا إليك.