الآيات 46-50

وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿46﴾ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴿47﴾ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ﴿48﴾ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴿49﴾ وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴿50﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر ونافع مثقال حبة بالرفع وفي لقمان مثله والباقون بالنصب وقرأ آتينا بها بالمد ابن عباس وجعفر بن محمد ومجاهد وسعيد بن جبير والعلاء بن سيابة والباقون ﴿أتينا﴾ بالقصر.

الحجة:

وجه النصب وإن كان الظلامة مثقال حبة وهذا أحسن لتقدم قوله ﴿فلا تظلم نفس شيئا﴾ فإذا ذكر تظلم فكأنه ذكر الظلامة كقولهم من كذب كان شرا له ووجه الرفع أنه أسند الفعل إلى مثقال كما أسند في قوله ﴿وإن كان ذو عسرة﴾ أي ذا عسرة وكذلك قول الشاعر إذا كان يوم ذو كواكب أشهبا ومن قرأ آتينا فهو فاعلنا فهو من آتى يوآتي موآتاة عن ابن جني وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال معناه جازينا بها وعلى هذا فيجوز أن يكون من أفعلنا ويكون مفعول آتينا محذوفا وتقديره آتيناها بها للجزاء.

اللغة:

النفحة الوقعة اليسيرة تقع بهم يقال نفح ينفح نفحا ونفح الطيب ينفح فله نفحة طيبة ونفحت الدابة إذا رمت بحافرها فضربت به ونفحة بالسيف إذا تناوله من بعيد وأما حديث شريح أنه أبطل النفح من نفح الدابة فالمعنى أنه كان لا يلزم صاحبها شيئا والقسط العدل وهو مصدر يوصف به والتقدير ونضع الموازين ذوات القسط.

الإعراب:

شيئا انتصب على أنه مفعول ثان لتظلم ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر أي لا تظلم نفس ظلما ومن رفع مثقال حبة فإن كان تكون تامة ومن نصب فإن كان ناقصة واسمها الضمير المستكن فيها العائد إلى شيء ﴿وكفى بنا حاسبين﴾ قال الزجاج انتصب قوله ﴿حاسبين﴾ على التمييز أو على الحال ودخلت الباء في بنا لأنه خبر في معنى الأمر والمعنى اكتفوا بالله حسيبا وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ ضياء بغير واو ويكون على هذا منصوبا على الحال من ﴿الفرقان﴾ ويجوز أن يكون مفعولا له وبالواو يكون عطفا على الفرقان وتكون الواو داخلة على ضياء وإن كان صفة في المعنى دون اللفظ كما تدخل على الصفة التي هي صفة لفظا قال سيبويه إذا قلت مررت بزيد وصاحبك وزيد هو الصاحب جاز ولو قلته بالفاء لم يجز كما جاز بالواو لأن الفاء يقتضي التعقيب وتأخير الاسم عن المعطوف عليه بخلاف الواو و﴿الذين يخشون﴾ في محل جر لأنه صفة للمتقين ويجوز أن يكون في محل نصب أو رفع على المدح و﴿بالغيب﴾ في محل النصب على الحال.

المعنى:

لما تقدم الإنذار بالعذاب ذكر عقيبه ﴿ولئن مستهم نفحة﴾ أي أصابهم طرف عن ابن عباس وقيل قليل عن ابن كيسان وقيل نصيب عن ابن جريج وقيل بعض ما يستحقونه من العقوبة عن أبي مسلم ﴿من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين﴾ أي يدعون بالويل والثبور عند نزوله ثم قال سبحانه ﴿ونضع الموازين القسط ليوم القيامة﴾ أي نضع الموازين ذوات القسط ليوم القيامة وقيل معناه نحضر الموازين التي لا جور فيها بل كلها عدل وقسط لأهل يوم القيامة أو في يوم القيامة وقال قتادة معناه نضع العدل في المجازاة بالحق لكل أحد على قدر استحقاقه فلا يبخس المثاب بعض ما يستحقه ولا يفعل بالمعاقب فوق ما يستحقه وقد سبق الكلام في الميزان في سورة الأعراف ﴿فلا تظلم نفس شيئا﴾ أي لا ينقص من إحسان محسن ولا يزاد في إساءة مسيء ﴿وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها﴾ أي جئنا بها والمراد أحضرناها للمجازاة بها ﴿وكفى بنا حاسبين﴾ أي عالمين حافظين وذلك إن من حسب شيئا علمه وحفظه عن ابن عباس وقيل محصين والحسب العد عن السدي ﴿ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان﴾ أي أعطيناهما التوراة يفرق بين الحق والباطل عن مجاهد وقتادة وقيل البرهان الذي فرق به بين حق موسى وباطل فرعون وقيل هو فلق البحر ﴿وضياء﴾ أي وآتيناهما ضياء وهو من صفة التوراة أيضا مثل قوله ﴿فيها هدى ونور﴾ والمعنى أنهم استضاءوا بها حتى اهتدوا في دينهم ﴿وذكرا للمتقين﴾ يذكرونه ويعملون بما فيه ويتعظون بمواعظه ثم وصف المتقين فقال ﴿الذين يخشون ربهم بالغيب﴾ أي في حال الخلوة والغيبة عن الناس وقيل في سرائرهم من غير رياء ﴿وهم من الساعة﴾ أي من القيامة وأهوالها ﴿مشفقون﴾ أي خائفون ﴿وهذا ذكر مبارك أنزلناه﴾ أراد به القرآن أنه ذكر ثابت نافع دائم نفعه إلى يوم القيامة وقيل سماه مباركا لوفور فوائده من المواعظ والزواجر والأمثال الداعية إلى مكارم الأخلاق والأفعال لما وصف التوراة أتبعه ذكر القرآن الذي آتاه نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿أفأنتم له منكرون﴾ استفهام على معنى التوبيخ أي فلما ذا تنكرونه وتجحدونه مع كونه معجزا.

النظم:

وجه اتصال قصة موسى وهارون بما قبلها أنه لما تقدم ذكر الوحي بين عقيبه إن إنزال القرآن على نبيه ليس ببدع فقد أنزل على موسى وهارون التوراة وقيل اتصل بقوله ﴿ولقد استهزىء برسل من قبلك﴾ والمعنى أن هؤلاء كما أنهم استهزءوا بك مع أنا أنزلنا إليك الكتاب فكذلك قد أنزلنا موسى وهارون الكتاب فكذبوهما واستهزءوا بهما.