الآيات 31-35

وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿31﴾ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴿32﴾ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿33﴾ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴿34﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿35﴾

اللغة:

الرواسي الجبال رست ترسو رسوا إذا ثبتت بثقلها فهي راسية كما ترسو السفينة إذا وقفت متمكنة في وقوفها والميد الاضطراب بالذهاب في الجهات والفج الطريق الواسع بين الجبلين والفلك أصله كل شيء دائر ومنه فلكة المغزل ويقال فلك ثدي المرأة تفليكا إذا استدار والسباحة والعوم والسبح والجري بمعنى.

الإعراب:

﴿أن تميد بكم﴾ في موضع نصب بأنه مفعول له وتقديره كراهة أن تميد بكم أو حذار أن تميد ومن قال أن لا هنا مضمرة والتقدير لأن لا تميد فلا وجه لقوله و﴿سبلا﴾ بدل من فجاج لأن الفج هو السبيل ﴿كل في فلك يسبحون﴾ جملة اسمية في موضع الحال وفي يتعلق بيسبحون ﴿أفإن مت فهم الخالدون﴾ شرط وجزاء دخلت الفاء في الشرط وفي الجزاء وقوله ﴿فتنة﴾ مفعول له والمعنى للفتنة ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال أي نبلوكم فاتنين ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر لأن البلاء بمعنى الفتنة.

المعنى:

ثم بين سبحانه كمال قدرته وشمول نعمته بأن قال ﴿وجعلنا في الأرض رواسي﴾ أي جبالا ثوابت تمنع الأرض من الحركة والاضطراب ﴿أن تميد بهم﴾ أي تتحرك وتميل وتضطرب بهم وقيل لتستقر عن قتادة ﴿وجعلنا فيها﴾ أي في الرواسي ﴿فجاجا﴾ أي طرقا واسعة بينها لو لا ذلك لما أمكن أن يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار ثم بين الفجاج فقال ﴿سبلا لعلهم يهتدون﴾ بها إلى طريق بلادهم ومواطنهم وقيل ليهتدوا بالاعتبار بها إلى دينهم ﴿وجعلنا السماء سقفا محفوظا﴾ أي رفعنا السماء فوق الخلق كالسقف محفوظا من الشياطين بالشهب التي ترمي بها كما قال وحفظناها من كل شيطان رجيم عن الجبائي وقيل محفوظا من أن تسقط كما قال إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا الآية وقيل محفوظا من أن يطمع أحد في أن يتعرض لها بنقض أو أن يحلقها بلى أو هدم على طول الدهر عن الحسن ﴿وهم عن آياتها﴾ أي عن الاستدلال بما فيها من دلائل الحدوث والحاجة إلى المحدث ﴿معرضون﴾ أي أعرضوا عن التفكر فيها ﴿وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون﴾ أي يجرون وقيل يدورون وأراد الشمس والقمر والنجوم لأن قوله ﴿الليل﴾ يدل على النجوم وقال ابن عباس يسبحون بالخير والشر بالشدة والرخاء وقيل معناه أنه سبحانه جعل لكل واحد منهما فلكا يدور فيه بسرعة كالسباحة وإنما قال ﴿يسبحون﴾ لأنه أضاف إليها فعل العقلاء كما قال والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين وقال النابغة الجعدي:

تمززتها والديك يدعو صياحه

إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا

ثم قال سبحانه ﴿وما جعلنا لبشر من قبلك﴾ يا محمد ﴿الخلد﴾ أي دوام البقاء في الدنيا ﴿أفإن مت﴾ أنت على ما يتوقعونه وينتظرونه ﴿فهم الخالدون﴾ أي أ فهم يخلدون بعدك يعني مشركي مكة حين قالوا نتربص بمحمد ريب المنون فقال لئن مت فإنهم أيضا يموتون فأي فائدة لهم في تمني موتك ﴿كل نفس ذائقة الموت﴾ أي لا بد لكل نفس حية بحياة أن يدخل عليها الموت وتخرج عن كونها حية ﴿ونبلوكم بالشر والخير﴾ أي نعاملكم معاملة المختبر بالفقر والغنى وبالضراء والسراء وبالشدة والرخاء عن ابن عباس وقيل بما تكرهون وما تحبون ليظهر صبركم على ما تكرهون وشكركم فيما تحبون عن ابن زيد وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرض فعاده إخوانه فقالوا كيف تجدك يا أمير المؤمنين قال بشر قالوا ما هذا كلام مثلك قال إن الله تعالى يقول ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾ فالخير الصحة والغنى والشر المرض والفقر وقال بعض الزهاد الشر غلبة الهوى على النفس والخير العصمة عن المعاصي ﴿فتنة﴾ أي ابتلاء واختبار أو شدة تعبد ﴿وإلينا ترجعون﴾ أي إلى حكمنا تردون للجزاء بالأعمال حسنها وسيئها.

النظم:

يتصل قوله ﴿وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد﴾ بما ذكر سبحانه من خلق الأشياء فإنه بين أنه لم يخلقها للخلود وإنما خلقها ليتوصل بها إلى نعيم الآخرة فلا بد لكل إنسان من الموت والرجوع إلى الجزاء عن القاضي.