الآية- 124

وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ﴿124﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وحفص ﴿رسالته﴾ على التوحيد ونصب التاء والباقون رسالاته على الجمع.

الحجة:

من وحد فلأن الرسالة تدل على القلة والكثرة لكونها مصدرا ومن جمع فلما تكرر من رسالات الله سبحانه مرة بعد أخرى.

اللغة:

الأجرام الإقدام على القبيح بالانقطاع إليه لأن أصل الجرم القطع فكأنه قطع ما يجب أن يوصل من العمل ومنه قيل للذنب الجرم والجريمة والصغار الذل الذي يصغر إلى المرء نفسه يقال صغر الإنسان يصغر صغارا وصغرا.

الإعراب:

الله أعلم حيث يجعل رسالاته لا يخلو حيث هنا من أن يكون ظرفا متضمنا لحرفه أو غير ظرف فإن كان ظرفا فلا يجوز أن يعمل فيه أعلم لأنه يصير المعنى أعلم في هذا الموضع أو في هذا الوقت ولا يوصف تعالى بأنه أعلم في مواضع أو في أوقات كما يقال زيد أعلم في مكان كذا أو أعلم في زمان كذا وإذا كان الأمر كذلك لم يجز أن يكون حيث هنا ظرفا وإذا لم يكن ظرفا كان اسما وكان انتصابه انتصاب المفعول به على الاتساع ويقوي ذلك دخول الجار عليها فكان الأصل الله أعلم بمواضع رسالاته ثم حذف الجار كما قال سبحانه أعلم بمن ضل عن سبيله وفي موضع آخر أعلم من يضل عن سبيله فمن يضل معمول فعل مضمر دل عليه أعلم ولا يجوز أن يكون معمول أعلم لأن المعاني لا تعمل في مواضع الاستفهام ونحوه إنما تعمل فيها الأفعال التي تلغى فتعلق كما تلغى ومثل ذلك في أنه لا يكون إلا محمولا على فعل قوله:

وأضرب منا بالسيوف القوانس

فالقوانس منصوب بفعل مضمر دل عليه قوله اضرب لأن المعاني لا تعمل في المفعول به ومما جعل حيث فيه اسما متمكنا غير ظرف متضمن لمعنى في قول الشاعر:

كان منها حيث تلوي المنطقا

حقفا نقا مالا على حقفي نقا

ألا ترى أن حيث هنا في موضع نصب بكان وحقفا نقا مرفوع بأنه خبره وقال القاضي أبو سعيد السيرافي في شرح كتاب سيبويه أن من العرب من يضيف حيث إلى المفرد فيجر ما بعدها وأنشد ابن الأعرابي بيتا آخره:

حيث لي العمايم

وأنشد أيضا أبو سعيد وأبو علي في إخراج حيث من حد الظرفية بالإضافة إليها إلى حد الأسماء المحضة قول الشاعر يصف شيخا يقتل القمل:

يهز الهرانع عقده عند الخصى

بأذل حيث يكون من يتذلل

ومن ذلك قول الفرزدق:

فمحن به عذبا رضابا غروبه

رقاق وأعلى حيث ركبن أعجف وقوله ﴿صغار عند الله﴾ قال الزجاج عند متصلة بسيصيب أي سيصيبهم عند الله صغار وجاز أن يكون عند متصلة بصغار فيكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت لهم عند الله ولا يصلح أن يكون من محذوفة من عند إنما المحذوف من عند في إذا قلت زيد عند عمرو فالمعنى زيد في حضرة عمرو قال أبو علي إذا قلت أن عند معمول لصغار لم تحتج إلى تقدير محذوف في الكلام لكن نفس المصدر يتناوله ويعمل فيه ويكون التقدير أن يصغروا عند الله فلا وجه لتقدير ثابت في الكلام فإن قدرت صغارا موصوفا بعند لم يكن عند معمولا لصغار ولكن يكون متعلقا بمحذوف فلا بد على هذا من تقدير ثابت ونحوه ما يكون في الأصل صفة ثم حذف وأقيم الظرف مقامه للدلالة عليه وهذا كقولك وأنت تريد الصفة هذا رجل عندك فالمعنى ثابت عندك أو مستقر عندك وكلا الوجهين جائز.

النزول:

نزلت في الوليد بن المغيرة قال والله لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا وقيل نزلت في أبي جهل بن هشام قال زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه عن مقاتل.

المعنى:

ثم حكى سبحانه عن الأكابر الذين تقدم ذكرهم اقتراحاتهم الباطلة فقال ﴿وإذا جاءتهم آية﴾ أي دلالة معجزة من عند الله تعالى تدل على توحيده وصدق نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿قالوا لن نؤمن﴾ أي لن نصدق بها ﴿حتى نؤتى﴾ أي نعطي آية معجزة ﴿مثل ما أوتي﴾ أي أعطي ﴿رسل الله﴾ حسدا منهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم أخبر سبحانه على وجه الإنكار عليهم بقوله ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالته﴾ أنه أعلم منهم ومن جميع الخلق بمن يصلح لرسالاته ويتعلق مصالح الخلق ببعثه وأنه يعلم من يقوم بأعباء الرسالة ومن لا يقوم بها فيجعلها عند من يقوم بأدائها ويحتمل ما يلحقه من المشقة والأذى على تبليغها ثم توعدهم سبحانه فقال ﴿سيصيب﴾ أي سينال ﴿الذين أجرموا﴾ أي انقطعوا إلى الكفر وأقدموا عليه يعني بهم المشركين من أكابر القرى الذين سبق ذكرهم ﴿صغار عند الله﴾ أي سيصيبهم عند الله ذل وهوان وإن كانوا أكابر في الدنيا عن الزجاج ويجوز أن يكون المعنى سيصيبهم صغار معد لهم عند الله أو سيصيبهم أن يصغروا عند الله ﴿وعذاب شديد بما كانوا يمكرون﴾ في الدنيا أي جزاء على مكرهم.