الآيات 102-103
ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿102﴾ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴿103﴾
اللغة:
الوكيل على الشيء هو الحافظ له الذي يحوطه ويدفع الضرر عنه وإنما وصف سبحانه نفسه بأنه وكيل مع أنه مالك الأشياء لأنه لما كانت منافعها لغيره لاستحالة المنافع عليه والمضار صحت هذه الصفة له وقيل الوكيل من يوكل إليه الأمور يقال وكلت إليه هذا الأمر أي وليته تدبيره والمؤمن يتوكل على الله أي يفوض أمره إليه والإدراك اللحاق يقال أدرك قتادة الحسن أي لحقه وأدرك الطعام نضج وأدرك الزرع بلغ منتهاه وأدرك الغلام بلغ ولحق حال الرجولية وأدركته ببصري لحقته ببصري وتدارك القوم تلاحقوا ولا يكون الإدراك بمعنى الإحاطة لأن الجدار محيط بالدار وليس بمدرك لها والبصر الحاسة التي تقع بها الرؤية.
الإعراب:
﴿خالق كل شيء﴾ خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون صفة ربكم وكان يجوز نصبه على الحال لأنه نكرة اتصل بمعرفة بعد التمام.
المعنى:
لما قدم سبحانه ذكر الأدلة على وحدانيته عقبه بتنبيه عباده على أنه الإله المستحق للطاعة والعبادة وتعليمهم الاستدلال بأفعاله عليه فقال ﴿ذلكم﴾ أي ذلك الذي خلق هذه الأشياء ودبر هذه التدابير لكم أيها الناس هو ﴿الله ربكم﴾ أي خالقكم ومالككم ومدبركم وسيدكم ﴿لا إله إلا هو خالق كل شيء﴾ أي كل مخلوق من الأجسام والأعراض التي لا يقدر عليها غيره ﴿فاعبدوه﴾ لأنه المستحق للعبادة ﴿وهو على كل شيء وكيل﴾ أي حافظ ومدبر وحفيظ على خلقه فهو وكيل على الخلق ولا يقال وكيل لهم ﴿لا تدركه الأبصار﴾ أي لا تراه العيون لأن الإدراك متى قرن بالبصر لم يفهم منه إلا الرؤية كما أنه إذا قرن ب آلة السمع فقيل أدركت بإذني لم يفهم منه إلا السماع وكذلك إذا أضيف إلى كل واحد من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه فقولهم أدركته بفمي معناه وجدت طعمه وأدركته بأنفي معناه وجدت رائحته ﴿وهو يدرك الأبصار﴾ تقديره لا تدركه ذوو الأبصار وهو يدرك ذوي الأبصار أي المبصرين ومعناه أنه يرى ولا يرى وبهذا خالف سبحانه جميع الموجودات لأن منها ما يرى ويرى كالأحياء ومنها ما يرى ولا يرى كالجمادات والأعراض المدركة ومنها ما لا يرى ولا يرى كالأعراض غير المدركة فالله تعالى خالف جميعها وتفرد بأن يرى ولا يرى وتمدح في الآية بمجموع الأمرين كما تمدح في الآية الأخرى بقوله وهو يطعم ولا يطعم وروى العياشي بالإسناد المتصل أن الفضل بن سهل ذا الرياستين سأل أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) فقال أخبرني عما اختلف الناس فيه من الرؤية فقال من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقال أعظم الفرية على الله ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار﴾ وهذه الأبصار ليست هي الأعين إنما هي الأبصار التي في القلوب لا يقع عليه الأوهام ولا يدرك كيف هو ﴿وهو اللطيف﴾ قيل في معناه وجوه (أحدها) أنه اللاطف بعباده بسبوغ الإنعام غير أنه عدل عن وزن فاعل إلى فعيل للمبالغة (والثاني) أن معناه لطيف التدبير إلا أنه حذف لدلالة الكلام عليه - (والثالث) أن اللطيف الذي يستقل الكثير من نعمه ويستكثر القليل من طاعة عباده (والرابع) أن اللطيف الذي إذا دعوته لباك وإن قصدته آواك وإن أحببته أدناك وإن أطعته كافأك وإن عصيته عافاك وإن أعرضت عنه دعاك وإن أقبلت إليه هداك (والخامس) اللطيف من يكافي الوافي ويعفو عن الجافي (والسادس) اللطيف من يعز المفتخر به ويغني المفتقر إليه (والسابع) اللطيف من يكون عطاؤه خيرة ومنعه ذخيرة ﴿الخبير﴾ العليم بكل شيء من مصالح عباده فيدبرهم عليها وبأفعالهم فيجازيهم عليها.