الآيات 64-66

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿64﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴿65﴾ الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿66﴾

القراءة:

إن يكن منكم مائة بالياء فيهما كوفي والأول بالتاء بصري ﴿ضعفا﴾ بفتح الضاد كوفي إلا الكسائي والباقون بضم الضاد ولكنهم سكنوا العين إلا أبا جعفر فإنه قرأ ضعفاء على وزن فعلاء.

الحجة:

من قرأ بالياء فإنه أراد به المذكر يدلك على ذلك قوله تعالى ﴿يغلبوا﴾ وقرأ أبو عمرو فإن تكن منكم مائة صابرة بالتاء كما أنث صفة المائة وهي قوله ﴿صابرة﴾ كذلك أنث الفعل ومن قرأ الجميع بالتاء يحمله على اللفظ فاللفظ مؤنث والضعف والضعف لغتان كالفقر والفقر.

اللغة:

الاتباع موافقة الداعي فيما يدعو إليه من أجل دعائه والتحريض والحض والحث بمعنى وهو الترغيب في الفعل بما يبعث على المبادرة إليه وضده التقتير والصبر حبس النفس عما تنازع إليه من ضد ما ينبغي أن يكون عليه وضده الجزع قال:

فإن تصبرا فالصبر خير مغبة

وإن تجزعا فالأمر ما تريان والتخفيف رفع المشقة بالخفة والخفة نقيض الثقل والخفة والسهولة بمعنى والضعف نقصان القوة وهو من الضعف لأنه ذهاب ضعف القوة.

الإعراب:

موضع ﴿من اتبعك﴾ رفع على معنى حسبك الله وأتباعك من المؤمنين ويحتمل أن يكون نصبا بمعنى ويكفي من اتبعك على التأويل لأن الكاف في حسبك وفي موضع جر بالإضافة لكنه مفعول به في المعنى فعطف على المعنى ومثله قوله تعالى إنا منجوك وأهلك وقال الشاعر:

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا

فحسبك والضحاك سيف مهند

الآن مبني مع الألف واللام لأنه خرج عن التمكن بشبه الحرف قال الزجاج عشرون لا يجوز إلا بكسر العين وزعم أهل اللغة أنه كسر أوله كما كسر أول اثنين لأن عشرين من عشرة مثل اثنين من واحد ويدل عليه فتحهم ثلاثين كفتح ثلاثة وكسرهم تسعين ككسر تسعة.

المعنى:

ثم أمر سبحانه بقتال الكفار وحث عليه بقوله ﴿يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين﴾ أي كافيك الله ويكفيك متبعوك من المؤمنين وقال الحسن معناه الله حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين أي يكفيك ويكفيهم قال الكلبي نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال ﴿يا أيها النبي حرض المؤمنين﴾ أي ابعث المؤمنين ﴿على القتال﴾ ورغبهم فيه بسائر أسباب التحريض والترغيب من ذكر الثواب الموعود على القتال وبيان ما وعد الله لهم من النصر والظفر واغتنام الأموال ﴿إن يكن منكم عشرون صابرون﴾ على القتال ﴿يغلبوا مائتين﴾ من العدو ﴿وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا﴾ واللفظ لفظ الخبر والمراد به الأمر ويدل على ذلك قوله فيما بعد ﴿الآن خفف الله عنكم﴾ لأن التخفيف لا يكون إلا بعد التكليف ﴿بأنهم قوم لا يفقهون﴾ معناه ذلك النصر من الله تعالى لكم على الكفار والخذلان للكفار بأنكم تفقهون أمر الله تعالى وتصدقونه فيما وعدكم من الثواب فيدعوكم ذلك إلى الصبر على القتال والجد فيه والكفار لا يفقهون أمر الله تعالى ولا يصدقونه فيما وعدكم من الثواب ولما علم الله تعالى أن ذلك يشق عليهم تغيرت المصلحة في ذلك فقال ﴿الآن خفف الله عنكم﴾ الحكم في الجهاد من وجوب قتال العشرة على الواحد وثبات الواحد للعشرة ﴿وعلم أن فيكم ضعفا﴾ أراد به ضعف البصيرة والعزيمة ولم يرد ضعف البدن فإن الذين أسلموا في الابتداء لم يكونوا كلهم أقوياء البدن بل كان فيهم القوي والضعيف ولكن كانوا أقوياء البصيرة واليقين ولما كثر المسلمين واختلط بهم من كان أضعف يقينا وبصيرة نزل ﴿الآن خفف الله عنكم﴾ ﴿فإن يكن منكم مائة صابرة﴾ على القتال ﴿يغلبوا مائتين﴾ من العدو ﴿وإن يكن منكم ألف﴾ صابرة ﴿يغلبوا ألفين﴾ منهم ﴿بإذن الله﴾ أي بعلم الله وقيل بأمره فأمر الله تعالى الواحد بأن يثبت لاثنين وتضمن النصرة له عليهما وإنما لم يفصل ولم يأمر من كان قوي البصيرة بأن يثبت لعشرة ومن كان ضعيف البصيرة بأن يثبت لاثنين لأنهم كانوا يشهدون القتال مختلطين فكان لا يمكن التمييز بينهم ولو نص على من كان ضعيف البصيرة كان فيه إيحاشهم وانكسار قلوبهم وزيادة ضعفهم ﴿والله مع الصابرين﴾ أي معونة الله مع الصابرين ومعناه والله معين الصابرين وقيل إن هذه الآية نزلت بعد الآية الأولى بمدة وإن قرن بينهما في المصحف وهي ناسخة للأولى والمعتبر في الناسخ والمنسوخ بالنزول دون التلاوة وقال الحسن إن التغليظ كان على أهل بدر ثم جاءت الرخصة.