الآيات 95-96

إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴿95﴾ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ العليمِ ﴿96﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة ﴿وجعل الليل سكنا﴾ والباقون وجاعل بالألف والرفع الليل بالجر.

الحجة:

وجه قول من قرأ وجاعل الليل أن قبله اسم فاعل وهو ﴿فالق الحب﴾ و﴿ فالق الإصباح﴾ ليكون فاعل المعطوف مثل فاعل المعطوف عليه أ لا ترى أن حكم الاسم أن يعطف على اسم مثله لأن الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم ويقوي ذلك قولهم:

للبس عباءة وتقر عيني

أحب إلي من لبس الشفوف

فنصب وتقر ليكون في تقدير اسم بإضمار أن فيكون قد عطف اسما على اسم وقوله:

ولو لا رجال من رزام ومازن

وآل سبيع أو أسوك علقما

ومن قرأ أو جعل فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضي فلما كان فاعل بمعنى فعل عطف عليه فعل لموافقته في المعنى ويدلك على أنه بمنزلة فعل أنه نزل منزلته فيما عطف عليه وهو قوله ﴿والشمس والقمر حسبانا﴾ أ لا ترى أنه لما كان المعنى فعل حمل المعطوف على ذلك فنصب الشمس والقمر على فعل لما كان فاعل كفعل ويقوي ذلك قولهم هذا معطي زيد درهما أمس فالدرهم محمول على أعطى لأن اسم الفاعل إذا كان لما مضى لم يعمل عمل الفعل فإذا كان معط بمنزلة أعطى كذلك جعل فالق بمنزلة فلق لأن اسم الفاعل لما مضى فعطف عليه فعل لما كان بمنزلته.

اللغة:

الفلق الشق يقال فلقة فانفلق والفلق الصبح لأن الظلام ينفلق عنه والفلق المطمئن من الأرض كأنه منشق عنها والحب جمع حبة وهو كل ما لا يكون له نوى كالبر والشعير والنوى جمع نواة والإصباح والصبح واحد وهو مصدر أصبحنا إصباحا وقد روي عن الحسن أنه قرأ فالق الأصباح بالفتح يريد صبح كل يوم وما قرأ به غيره والسكن الذي يسكن إليه والحسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان وقيل هو مصدر حسبت الحساب أحسبه حسابا وحسبانا وحكي عن بعض العرب على الله حسبان فلان وحسبته أي حسابه والحسبان بكسر الحاء جمع حسبانة وهي وسادة صغيرة والحسبان والمحسبة مصدر حسبت فلانا عاقلا أحسبه وأحسبه.

الإعراب:

النصب في ﴿الشمس والقمر﴾ مفعول فعل يدل عليه وقوله وجاعل الليل سكنا وتقديره وجعل الشمس والقمر حسبانا وحسبانا المفعول الثاني منه ولا يجوز وجاعل الليل سكنا لأن اسم الفاعل إذا كان واقعا لم يعمل عمل الفعل وأضيف إلى ما بعده لا غير تقول هذا ضارب زيد أمس لا غير.

المعنى:

ثم عاد الكلام إلى الاحتجاج على المشركين بعجائب الصنع ولطائف التدبير فقال سبحانه ﴿إن الله فالق الحب والنوى﴾ أي شاق الحبة اليابسة الميتة فيخرج منها النبات وشاق النواة اليابسة فيخرج منها النخل والشجر عن الحسن وقتادة والسدي وقيل معناه خالق الحب والنوى ومنشئهما ومبدئهما عن ابن عباس والضحاك وقيل المراد به ما في الحبة والنوى من الشق وهو من عجيب قدرة الله تعالى في استوائه عن مجاهد وأبي مالك ﴿يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي﴾ أي يخرج النبات الغض الطري الخضر من الحب اليابس ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي عن الزجاج والعرب تسمي الشجر ما دام غضا قائما بأنه حي فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا وقيل معناه يخلق الحي من النطفة وهي موات ويخلق النطفة وهي موات من الحي عن الحسن وقتادة وابن زيد وغيرهم وهذا أصح وقيل معناه يخرج الطير من البيض والبيض من الطير عن الجبائي وقيل معناه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ﴿ذلكم الله﴾ أي فاعل ذلك كله الله ﴿فأنى تؤفكون﴾ أي تصرفون عن الحق ويذهب بكم عن هذه الأدلة الظاهرة إلى الباطل أ فلا تتدبرون فتعلمون أنه لا ينبغي أن يجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحب والنوى وإخراج الزرع من الحب والشجر من النوى شريك في عبادته ﴿فالق الإصباح﴾ أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده عن أكثر المفسرين وقيل معناه خالق الصباح عن ابن عباس ﴿وجعل الليل سكنا﴾ تسكنون فيه وتتودعون فيه عن ابن عباس ومجاهد وأكثر المفسرين نبه الله سبحانه على عظيم نعمته بأن جعل الليل للسكون والنهار للتصرف ودل بتعاقبهما على كمال قدرته وحكمته ثم قال ﴿والشمس والقمر حسبانا﴾ أي جعلهما تجريان في أفلاكهما بحساب لا يتجاوزانه حتى ينتهيا إلى أقصى منازلهما فتقطع الشمس جميع البروج الاثني عشر في ثلاثمائة وخمس وستين يوما وربع القمر في ثمانية وعشرين يوما وبنى عليهما الليالي والأيام والشهور والأعوام كما قال سبحانه والشمس والقمر بحسبان وقال كل في فلك يسبحون عن ابن عباس والسدي وقتادة ومجاهد أشار سبحانه بذلك إلى ما في حسبانهما من مصالح العباد في معاملاتهم وتواريخهم وأوقات عباداتهم وغير ذلك من أمورهم الدينية والدنيوية ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما وصفه سبحانه من فلق الإصباح ﴿وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا﴾ ﴿تقدير العزيز﴾ الذي عز سلطانه فلا يقدر أحد على الامتناع منه ﴿العليم﴾ بمصالح خلقه وتدبيرهم.