الآيـة 119

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴿119﴾

القراءة:

قرأ نافع ولا تسئل بفتح التاء والجزم على النهي وروي ذلك عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وابن عباس ذكر ذلك الفراء وأبو القاسم البلخي والباقون على لفظ الخبر على ما لم يسم فاعله.

الحجة:

الرفع في ﴿تسئل﴾ يحتمل وجهين (أحدهما) أن يكون حالا فيكون مثل ما عطف عليه من قوله ﴿بشيرا ونذيرا﴾ أي وغير مسئول ويكون ذكر الجملة بعد المفرد الذي هو قوله ﴿بشيرا﴾ كما ذكر الجملة في قوله ويكلم الناس في المهد وكهلا بعد ما تقدم من المفرد وكذلك قوله ومن المقربين وهو هنا يجري مجرى الجملة (والآخر) أن يكون منقطعا عن الأول مستأنفا به كأنه قيل ولست تسأل عن أصحاب الجحيم وأما قراءة نافع ولا تسئل بالجزم ففيه قولان (أحدهما) أن يكون على النهي عن المسألة (والآخر) أن يكون النهي لفظا والمعنى على تفخيم ما أعد لهم من العقاب كقول القائل لا تسأل عن حال فلان أي قد صار إلى أكثر مما تريده وسألت يتعدى إلى مفعولين مثل أعطيت قال الشاعر:

سألتاني الطلاق إذ رأتاني

قل ما لي قد جئتماني بنكر ويجوز أن يقتصر فيه على مفعول واحد ثم يكون على ضربين (أحدهما) أن يتعدى بغير حرف كقوله واسألوا ما أنفقتم فاسألوا أهل الذكر (والآخر) أن يتعدى بحرف كقوله تعالى سأل سائل بعذاب واقع وقولهم سألت عن زيد وإذا تعدى إلى مفعولين كان على ثلاثة أضرب (أحدها) أن يكون بمنزلة أعطيت كقوله سألت عمرا بعد بكر حقا فمعنى هذا استعطيته أي سألته أن يفعل ذلك (والآخر) أن يكون بمنزلة اخترت الرجال زيدا وذلك قوله تعالى ولا يسئل حميم حميما أي لا يسأل حميم عن حميمه (والثالث) أن يتعدى إلى مفعولين فيقع موقع المفعول الثاني منهما استفهام وذلك كقوله تعالى سل بني إسرائيل كم آتيناهم وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون.

اللغة:

الجحيم النار بعينها إذا شب وقودها وصار كالعلم على جهنم كقول أمية بن أبي الصلت:

إذا شبت جهنم ثم زادت

وأعرض عن قوابسها الجحيم

وجحمت النار تجحم جحما إذا اضطرمت والجحمة العين بلغة حمير قال:

أيا جحمتي بكي على أم واهب

قتيلة قلوب بإحدى المذانب

وجحمتا الأسد عيناه وجاحم الحرب شدة القتل في معركتها قال سعد بن مالك بن ضبيعة:

والحرب لا يبقى لجاحمها

التخيل والمراح

إلا الفتى الصبار في

النجدات والفرس الوقاح.

المعنى:

بين الله سبحانه في هذه الآية تأييده نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالحجج وبعثه الحق فقال ﴿إنا أرسلناك﴾ يا محمد ﴿بالحق﴾ قيل بالقرآن عن ابن عباس وقيل بالإسلام عن الأصم وقيل على الحق أي بعثناك على الحق كقوله سبحانه خلق الله السموات والأرض بالحق أي على أنهما حق لا باطل وقوله ﴿بشيرا ونذيرا﴾ أي بشيرا من اتبعك بالثواب ونذيرا من خالفك بالعقاب وقوله ﴿ولا تسئل عن أصحاب الجحيم﴾ أي لا تسأل عن أحوالهم وفيه تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ قيل له إنما أنت بشير ونذير ولست تسأل عن أهل الجحيم وليس عليك إجبارهم على القبول منك ومثله قوله فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وقوله ليس عليك هداهم وقيل معناه لا تؤاخذ بذنبهم كقوله سبحانه عليه ما حمل وعليكم ما أي فعليه الإبلاغ وعليكم القبول.