الآيـة 115

وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿115﴾

اللغة:

المشرق والشرق اسمان لمطلع الشمس والقمر وشرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت أضاءت ويقال لا أفعل ذلك ما ذر شارق أي ما طلع قرن الشمس وأيام التشريق أيام تشريق اللحم في الشمس وفي الحديث لا تشريق إلا في مصر أو مسجد جامع أي لا صلاة عيد لأن وقتها طلوع الشمس والمغرب والمغيب بمعنى وهو موضع الغروب يقال غربت الشمس تغرب إذا غابت وأصل الغرب الحد والتباعد وغربة النوى بعد المنتأى وغرب السيف حده سمي بذلك لأنه يمضي ولا يرد فهو مأخوذ من الإبعاد والواسع الغني سمي به لسعة مقدوراته وقيل هو الكثير الرحمة والسعة والفسحة من النظائر وضد السعة الضيق يقال وسع يسع سعة وأوسع الرجل إذا صار ذا سعة في المال.

الإعراب:

اللام في قوله ﴿ولله المشرق والمغرب﴾ لام الملك وإنما وحد المشرق والمغرب لأنه أخرج ذلك مخرج الجنس فدل على الجمع كما يقال أهلك الناس الدينار والدرهم وابن بني لتضمنه معنى الحرف وإنما بني على الفتح لالتقاء الساكنين وفيه معنى الشرط وتولوا مجزوم بالشرط وجوابه ﴿فثم وجه الله﴾ وعلامة الجزم في تولوا سقوط النون وأين في موضع نصب لأنه ظرف لقوله تولوا وما في قوله ﴿أينما﴾ هي التي تهيىء الكلمة لعمل الجزم ولذلك لم يجاز بإذ وحيث حتى يضم إليهما ما فيقال حيثما تكن أكن وإذا ما تفعل أفعل ولا يقال حيث تكن أكن وإذ تفعل أفعل ويجوز في أين الجزم وإن لم يدخل ما عليها كقول الشاعر:

أين تضرب بنا العداة تجدنا

نصرف العيس نحوها للتلاقي

وثم موضعه نصب لأنه ظرف مكان وبني على الفتح لالتقاء الساكنين وإنما بني في الأصل لأنه معرفة وحكم الاسم المعرف أن يكون بحرف فبني لتضمنه معنى الحرف الذي يكون به التعريف والعهد أ لا ترى أن ثم لا تستعمل إلا في مكان معهود معروف لمخاطبك.

النزول:

اختلف في سبب نزول هذه الآية فقيل أن اليهود أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة عن بيت المقدس فنزلت الآية ردا عليهم عن ابن عباس واختاره الجبائي قال بين سبحانه أنه ليس في جهة دون جهة كما تقول المجسمة وقيل كان للمسلمين التوجه حيث شاءوا في صلاتهم وفيه نزلت الآية ثم نسخ ذلك بقوله فول وجهك شطر المسجد الحرام عن قتادة قال وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد اختار التوجه إلى بيت المقدس وكان له إن يتوجه حيث شاء وقيل نزلت في صلاة التطوع على الراحلة تصليها حيثما توجهت إذا كنت في سفر وأما الفرائض فقوله وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره يعني أن الفرائض لا تصليها إلا إلى القبلة وهذا هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) قالوا وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إيماء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج إلى خيبر وحين رجع من مكة وجعل الكعبة خلف ظهره وروي عن جابر قال بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا قد عرفنا القبلة هي هاهنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا وقال بعضنا القبلة هاهنا قبل الجنوب وخطوا خطوطا فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى هذه الآية.

المعنى:

﴿ولله المشرق والمغرب﴾ أراد أن المشرق والمغرب لله ملكا وقيل أراد أنه خالقهما وصانعهما وقيل معناه يتولى إشراق الشمس من مشرقها وإغرابها من مغربها ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ معناه فأينما تولوا وجوهكم فحذف المفعول للعلم به فثم أي فهناك وجه الله أي قبلة الله عن الحسن ومجاهد وقتادة والوجه والجهة والوجهة القبلة ومثله الوزن والزنة والعرب تسمي القصد الذي تتوجه إليه وجها قال الشاعر:

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

رب العباد إليه الوجه والعمل

معناه إليه القصد بالعبادة وقيل معناه فثم الله يعلم ويرى فادعوه كيف توجهتم كقوله تعالى: يريدون وجهه أي يريدونه بالدعاء ويقال لما قرب من المكان هنا ولما تراخى ثم وهناك وقوله كل شيء هالك إلا وجهه أي إلا هو ويبقى وجه ربك أي ويبقى ربك عن الكلبي وقيل معناه ثم رضوان الله يعني الوجه الذي يؤدي إلى رضوانه كما يقال هذا وجه الصواب عن أبي علي والرماني ﴿إن الله واسع﴾ أي غني عن أبي عبيدة وتقديره غني عن طاعتكم وإنما يريدها لمنافعكم وقيل واسع الرحمة فلذلك رخص في الشريعة عن الزجاج وقيل واسع المقدور يفعل ما يشاء ﴿عليم﴾ أي عالم بوجوه الحكمة فبادروا إلى ما أمركم به وقيل عليم أين يضع رحمته على ما توجبه الحكمة وقيل عليم بنياتكم حيثما صليتم ودعوتم.

النظم:

ووجه اتصال الآية بما قبلها أن التقدير لا يمنعكم تخريب من خرب المساجد عن أن تذكروه حيث كنتم من أرضه فلله المشرق والمغرب والجهات كلها عن علي بن عيسى وقيل لما تقدم ذكر الصلاة والمساجد عقبه بذكر القبلة وبيانها.