الآيـة 114
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿114﴾
اللغة:
المنع والصد والحيلولة نظائر وضد المنع الإطلاق يقال منعته فامتنع ورجل منيع أي لا يخلص إليه وهو في عز ومنعة تخفف وتثقل وامرأة منيعة لا تؤاتي على فاحشة والسعي والركض والعدو نظائر وضد السعي الوقف وفلان يسعى على عياله أي يكسب لهم وسعى للسلطان إذا ولي أمر الصدقة قال الشاعر:
سعى عقالا فلم يترك لها سبدا
فكيف لو قد سعى عمرو عقالين والعقال صدقة عام وساعي الرجل الأمة إذا فجر بها ولا تكون المساعاة إلا في الإماء والخراب والهدم والنقض نظائر والخربة سعة خرق الأذن وكل ثقب مستدير والخارب اللص قال الأصمعي يختص بسارق الإبل والخرابة سرقة الإبل.
الإعراب:
موضع من رفع وهو استفهام وأظلم رفع لأنه خبر الابتداء وموضع أن نصب على البدل من مساجد وهو بدل الاشتمال والتقدير ومن أظلم ممن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه ويجوز أن يكون موضع أن نصبا على أنه مفعول له فيكون تقديره كراهة أن يذكر فيها اسمه ويجوز أن يكون على حذف من وتقديره من أن يذكر وأن يدخلوها في موضع رفع بأنه اسم كان وقيل إن كان هاهنا مزيدة وتقديره ما لهم أن يدخلوها فعلى هذا يكون موضع أن يدخلوها رفعا بالابتداء وإلا حرف استثناء وهو هنا لنقض النفي وخائفين منصوب على الحال وقوله ﴿خزي﴾ مرفوع من وجهين (أحدهما) الابتداء (والآخر) أن يكون مرفوعا بلهم وقوله ﴿في الدنيا﴾ الجار والمجرور في موضع نصب على الحال وذو الحال الضمير المستكن في لهم وكذلك قوله ﴿ولهم في الآخرة﴾.
النزول:
اختلفوا في المعني بهذه الآية فقال ابن عباس ومجاهد أنهم الروم غزوا بيت المقدس وسعوا في خرابه حتى كانت أيام عمر فأظهر الله المسلمين عليهم وصاروا لا يدخلونه إلا خائفين وقال الحسن وقتادة هو بخت نصر خرب بيت المقدس وأعانه عليه النصارى وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنهم قريش حين منعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) دخول مكة والمسجد الحرام وبه قال البلخي والرماني والجبائي وضعف هذا الوجه الطبري بأن قال إن مشركي قريش لم يسعوا في تخريب المسجد الحرام وقوله يفسد بأن عمارة المساجد إنما تكون بالصلاة فيها وخرابها بالمنع من الصلاة فيها وقد وردت الرواية بأنهم هدموا مساجد كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يصلون فيها بمكة لما هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة قال وهو أيضا لا يتعلق بما قبله من ذم أهل الكتاب كما يتعلق به إذا عني به النصارى وبيت المقدس وجوابه أنه قد جرى أيضا ذكر غير أهل الكتاب في قوله كذلك قال الذين لا يعلمون وهذا أقرب لأن الكلام خرج مخرج الذم فمرة توجه الذم إلى اليهود ومرة إلى النصارى ومرة إلى عبدة الأصنام والمشركين.
المعنى:
﴿ومن أظلم﴾ أي وأي أحد أشد وأعظم ظلما ﴿ممن منع مساجد الله﴾ من ﴿أن يذكر فيها اسمه﴾ ويكون معناه لا أحد أظلم ممن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه سبحانه وعمل في المنع من إقامة الجماعة والعبادة فيها وإذا حمل قوله ﴿مساجد الله﴾ على بيت المقدس أو على الكعبة فإنما جاز جمعه على أحد وجهين أما أن تكون مواضع السجود فإن المسجد العظيم يقال لكل موضع منه مسجد ويقال لجملته مسجد وأما أن يدخل في هذه اللفظة المساجد التي بناها المسلمون للصلاة وروي عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) أنه أراد جميع الأرض لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا وقوله ﴿وسعى في خرابها﴾ أي عمل في تخريبها والتخريب إخراجهم أهل الإيمان منها عند الهجرة وقيل هو صدهم عنها ويجوز حمله على الأمرين وقيل المراد المنع عن الصلاة والطاعة فيها وهو السعي في خرابها وقوله ﴿أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين﴾ فيه خلاف قال ابن عباس معناه أنه لا يدخل نصراني بيت المقدس إلا نهك ضربا وأبلغ عقوبة وهو كذلك اليوم ومن قال المراد به المسجد الحرام قال لما نزلت هذه الآية أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مناديا فنادى ألا لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بهذا البيت عريان فكانوا لا يدخلونه بعد ذلك وقال الجبائي بين الله سبحانه أنه ليس لهؤلاء المشركين دخول المسجد الحرام ولا دخول غيره من المساجد فإن دخل منهم داخل إلى بعض المساجد كان على المسلمين إخراجه منه إلا أن يدخل إلى بعض الحكام لخصومة بينه وبين غيره فيكون في دخوله خائفا من الإخراج على وجه الطرد بعد انفصال خصومته ولا يقعد فيه مطمئنا كما يقعد المسلم قال الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه وهذا يليق بمذهبنا ويمكن الاستدلال بهذه الآية على أن الكفار لا يجوز أن يمكنوا من دخول المساجد على كل حال فأما المسجد الحرام خاصة فيستدل على أن المشركين يمنعون من دخوله ولا يمكنون منه لحكومة ولا غيرها بأن الله تعالى قد أمر بمنعهم من دخوله بقوله ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر يعني المسجد الحرام وقوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وقال الزجاج أعلم الله سبحانه في هذه الآية أن أمر المسلمين يظهر على جميع من خالفهم حتى لا يمكن دخول مخالف إلى مساجدهم إلا خائفا وهذا كقوله سبحانه ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فكأنه قيل أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لإعزاز الله الدين وإظهاره المسلمين وقوله ﴿لهم في الدنيا خزي﴾ قيل فيه وجوه (أحدها) أن يراد بالخزي أنهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون عن قتادة (وثانيها) أن المراد به القتل وسبي الذراري والنساء إن كانوا حربا وإعطاء الجزية إن كانوا ذمة عن الزجاج (وثالثها) إن المراد بخزيهم في الدنيا أنه إذا قام المهدي وفتح قسطنطينية فحينئذ يقتلهم عن السدي (ورابعها) أن المراد بخزيهم طردهم عن دخول المساجد عن أبي علي وقوله ﴿ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ يعني يوم القيامة يعذبهم الله في نار جهنم بالعذاب الأعظم إذ كانوا من كل ظالم أظلم.