الآيـة 111

وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿111﴾

اللغة:

في هود ثلاثة أقوال (أحدها) أنه جمع هائد كعائذ وعوذ وعائط وعوط وهو جمع للمذكر والمؤنث على لفظ واحد والهائد التائب الراجع إلى الحق (وثانيها) أن يكون مصدرا يصلح للواحد والجمع كما يقال رجل فطر وقوم فطر ورجل صوم وقوم صوم (وثالثها) أن يكون معناه إلا من كان يهودا فحذفت الياء الزائدة والبرهان والحجة والدلالة والبيان بمعنى واحد وهو ما أمكن الاستدلال به على ما هو دلالة عليه مع قصد فاعله إلى ذلك وفرق علي بن عيسى بين الدلالة والبرهان بأن قال الدلالة قد تنبىء عن معنى فقط لا يشهد بمعنى آخر وقد تنبىء عن معنى يشهد بمعنى آخر والبرهان ليس كذلك لأنه بيان عن معنى ينبىء عن معنى آخر وقد نوزع في هذا الفرق وقيل أنه محض الدعوى.

الإعراب:

قالوا جملة فعلية والجنة ظرف مكان ليدخل وإلا هاهنا لنقض النفي ومن موصول وهو مع صلته مرفوع الموضع بأنه فاعل يدخل ولن يدخل مع ما بعده معمول قالوا وإن حرف شرط وجوابه محذوف وتقديره إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم.

المعنى:

ثم حكى سبحانه نبذا من أقوال اليهود ودعاويهم الباطلة فقال ﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى﴾ وهذا على الإيجاز وتقديره قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ووحد كان لأن لفظة من قد تكون للواحد وقد تكون للجماعة وإنما قلنا أن الكلام مقدر هذا التقدير لأن من المعلوم أن اليهود لا يشهدون للنصارى بالجنة ولا النصارى لليهود فعلمنا أنه أدرج الخبر عنهما للإيجاز من غير إخلال بشيء من المعنى فإن شهرة الحال تغني عن البيان الذي ذكرناه ومثله قول حسان بن ثابت:

أمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء تقديره ومن يمدحه وينصره غير أنه لما كان اللفظ واحدا جمع مع الأول وصار كأنه إخبار عن جماعة واحدة وإنما حقيقته عن بعضين متفرقين وقوله ﴿تلك أمانيهم﴾ أي تلك المقالة أماني كاذبة يتمنونها على الله عن قتادة والربيع وقيل أمانيهم أباطيلهم بلغة قريش عن المؤرج وقيل معناه تلك أقاويلهم وتلاوتهم من قولهم تمنى أي تلا وقد يجوز في العربية أمانيهم بالتخفيف والتثقيل أجود ﴿قل﴾ يا محمد ﴿هاتوا﴾ أي أحضروا وليس بأمر بل هو تعجيز وإنكار بمعنى إذا لم يمكنكم الإتيان ببرهان يصحح مقالتكم فاعلموا أنه باطل فاسد ﴿برهانكم﴾ أي حجتكم عن الحسن ومجاهد والسدي ﴿إن كنتم صادقين﴾ في قولكم ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى﴾ وفي هذه الآية دلالة على فساد التقليد أ لا ترى أنه لو جاز التقليد لما أمروا بأن يأتوا فيما قالوه ببرهان وفيها أيضا دلالة على جواز المحاجة في الدين.