الآيات 36-37

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴿36﴾ لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿37﴾

اللغة:

الحسرة الغم بما انكشف من فوت استدراك الخطيئة وأصله الكشف من قولهم حسر عن ذراعه يحسر حسرا والتمييز إخراج الشيء عما خالفه مما ليس منه وإلحاقه بما هو منه يقال ميزه يميزه ومازه ويميزه فامتاز وانماز الأزهري الركم جمعك شيئا فوق شيء حتى تجعله ركاما مركوما مرتكما وهو المتراكب بعضه فوق بعض.

النزول:

قيل نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سوى من استجاشهم من العرب وفيهم يقول كعب بن مالك:

فجئنا إلى موج من البحر وسطهم

أحابيش منهم حاسر ومقنع

ثلاثة آلاف ونحن بقية

ثلاث مئين إن كثرنا فأربع

عن سعيد بن جبير ومجاهد وقيل نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب وكلهم من قريش وكان كل يوم يطعم واحد منهم عشر جزر وكانت النوبة يوم الهزيمة للعباس عن الكلبي والضحاك ومقاتل وقيل لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة مشى صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل في رجال من قريش أصيب آباؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه لعلنا أن ندرك منه ثارا بمن أصيب منا ففعلوا فأنزل الله فيهم هذه الآية رواه محمد بن إسحاق عن رجاله.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه إنفاق المشركين أموالهم في معصية الله تعالى فقال ﴿إن الذين كفروا ينفقون أموالهم﴾ في قتال الرسول والمؤمنين ﴿ليصدوا عن سبيل الله﴾ أي ليمنعوا بذلك الناس عن دين الله الذي أتى به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإنما قال ليصدوا وإن كانوا لم يقصدوا ذلك من حيث لم يعلموا أن ذلك دين الله لأن فعلهم ذلك كان صدا عن دين الله وإن لم يقصدوا ذلك ﴿فسينفقونها﴾ معناه فسيقع منهم الإنفاق لها ﴿ثم تكون عليهم حسرة﴾ معناه ثم ينكشف لهم ويظهر من ذلك الإنفاق ما يكون حسرة عليهم من حيث أنهم لا ينتفعون بذلك الإنفاق لا في الدنيا ولا في الآخرة بل يكون وبالا عليهم ﴿ثم يغلبون﴾ في الحرب أي يغلبهم المؤمنون وفي هذا دلالة على صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه أخبر بالشيء قبل كونه فوجد على ما أخبر به ﴿والذين كفروا إلى جهنم يحشرون﴾ أي يجمعون إلى النار بعد تحسرهم في الدنيا ووقوع الظفر بهم وقتلهم وإنما أعاد قوله ﴿والذين كفروا﴾ لأن جماعة ممن أنفقوا أسلموا بعد فخص منهم من مات على كفره بوعيد الآخرة ﴿ليميز الله الخبيث من الطيب﴾ معناه ليميز الله نفقة الكافرين من نفقة المؤمنين ﴿ويجعل الخبيث بعضه على بعض﴾ أي ويجعل نفقة المشركين بعضها فوق بعض ﴿فيركمه﴾ أي فيجمعه ﴿جميعا﴾ في الآخرة ﴿فيجعله في جهنم﴾ فيعاقبهم به كما قال ﴿يوم يحمى عليها في نار جهنم﴾ الآية وقيل معناه ليميز الله الكافر من المؤمن في الدنيا بالغلبة والنصر والأسماء الحسنة والأحكام المخصوصة وفي الآخرة بالثواب والجنة عن أبي مسلم وقيل بأن يجعل الكافر في جهنم والمؤمن في الجنة ويجعل الخبيث بعضه على بعض في جهنم يضيقها عليهم فيركمه جميعا أي يجمع الخبيث حتى يصير كالسحاب المركوم بأن يكون بعضهم فوق بعض في النار مجتمعين فيها فيجعله في جهنم أي فيدخله جهنم ﴿أولئك هم الخاسرون﴾ قد خسروا أنفسهم لأنهم اشتروا بإنفاق الأموال في المعصية عذاب الله في الآخرة.