الآيـة 101

وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴿101﴾

الإعراب:

لما في موضع نصب بأنه ظرف ويقع به الشيء بوقوع غيره والعامل فيه نبذ ومصدق رفع لأنه صفة لرسول لأنهما نكرتان ولو نصب لكان جائزا لأن رسول قد وصف بقوله ﴿من عند الله﴾ فلذلك يحسن نصبه على الحال إلا أنه لا يجوز في القراءة إلا الرفع لأن القراءة سنة متبعة وموضع ما جر باللام ومع صلة لها والناصب لمع معنى الاستقرار والمعنى لما استقر معهم.

المعنى:

﴿ولما جاءهم﴾ أي ولما جاء اليهود الذين كانوا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿رسول من عند الله﴾ يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن أكثر المفسرين وقيل أراد بالرسول الرسالة كما قال كثير:

فقد كذب الواشون ما بحت عندهم

بليلى وما أرسلتهم برسول قال علي بن عيسى وهذا ضعيف لأنه خلاف الظاهر قليل في الاستعمال وقوله ﴿مصدق لما معهم﴾ يحتمل أمرين (أحدهما) أنه مصدق لكتبهم من التوراة والإنجيل لأنه جاء على الصفة التي تقدمت بها البشارة (والثاني) أنه مصدق للتوراة بأنها حق من عند الله لأن الأخبار هاهنا إنما هو عن اليهود دون النصارى والأول أحسن لأن فيه حجة عليهم وقوله ﴿نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب﴾ أي ترك وألقى طائفة منهم وإنما قال ﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ ولم يقل منهم وقد تقدم ذكرهم لأنه يريد به علماء اليهود فأعاد ذكرهم لاختلاف المعنى وقيل أنه لم يكن عنهم للبيان لما طال الكلام وقوله ﴿كتاب الله﴾ يحتمل أن يريد به التوراة ويحتمل أن يريد به القرآن وقوله ﴿وراء ظهورهم﴾ كناية عن تركهم العمل به قال الشعبي هو بين أيديهم يقرءونه ولكن نبذوا العمل به وقال سفيان بن عيينة أدرجوه في الحرير والديباج وحلوه بالذهب والفضة ولم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه فذلك النبذ هذا إذا حمل الكتاب على التوراة وقال أبو مسلم لما جاءهم الرسول بهذا الكتاب فلم يقبلوه صاروا نابذين للكتاب الأول أيضا الذي فيه البشارة به وقال السدي نبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت يعني أنهم تركوا ما تدل عليه التوراة من صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقال قتادة وجماعة من أهل العلم أن ذلك الفريق كانوا معاندين وإنما ذكر فريقا منهم لأن الجمع العظيم والجم الغفير والعدد الكثير لا يجوز عليهم كتمان ما علموه مع اختلاف الهمم وتشتت الآراء وتباعد الأهواء لأنه خلاف المألوف من العادات إلا إذا كانوا عددا يجوز على مثلهم التواطؤ على الكتمان وقوله ﴿كأنهم لا يعلمون﴾ أي لا يعلمون أنه صدق وحق والمراد أنهم علموا وكتموا بغيا وعنادا وقيل المراد كأنهم لا يعلمون ما عليهم في ذلك من العقاب وقيل المراد كأنهم لا يعلمون ما في كتابهم أي حلوا محل الجاهل بالكتاب.