الآيـة 93

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴿93﴾

اللغة:

اسمعوا معناه اقبلوا ومنه قوله ( سمع الله لمن حمده ) أي قبل الله حمد من حمده وقوله ﴿وأشربوا﴾ أصله من الشرب يقال شرب وأشرب غيره إذا حمله على الشرب وأشرب الزرع أي سقي وأشرب قلبه حب كذا قال زهير:

فصحوت عنها بعد حب داخل

والحب يشربه فؤادك داء.

الإعراب:

قوله ﴿العجل﴾ أي حب العجل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ومثله قول الشاعر:

حسبت بغام راحلتي عناقا

وما هي ويب غيرك بالعناق

أي حسبت بغام راحلتي بغام عناق

وقال طرفة:

ألا إنني سقيت أسود حالكا

ألا بجلي من الشراب الأبجل

يريد سقيت سم أسود قال آخر:

وشر المنايا ميت وسط أهله

كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضرة

أي منية ميت وقوله ﴿بئسما يأمركم به إيمانكم﴾ فقد تقدم ذكر إعرابه وأن يجوز أن يكون بمعنى ما أي ما كنتم مؤمنين وجاز أن يكون تقديره إن كنتم مؤمنين فبئسما يأمركم به إيمانكم هذا.

المعنى:

قوله ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة﴾ قد فسرناه فيما مضى والفائدة في تكرير هذا وأمثاله التأكيد وإيجاب الحجة عليهم على عادة العرب في مخاطباتها وقيل إنه سبحانه لما عد فضائح اليهود أعاد ذكر رفع الجبل وقيل أنه تعالى إنما ذكر الأول للاعتبار بأخبار من مضى والثاني للاحتجاج عليهم وقوله ﴿واسمعوا﴾ أي اقبلوا ما سمعتم واعملوا به وأطيعوا الله وقيل معناه اسمعوا ما يتلى عليكم أي استمعوا لتسمعوا وهذا اللفظ يحتمل الاستماع والقبول ولا تنافي بينهما فيحتمل عليهما فكأنه قيل استمعوا لتسمعوا ثم أقبلوا وأطيعوا وبدل عليه أنه قال في الجواب عنهم ﴿قالوا سمعنا وعصينا﴾ وفيه قولان (أحدهما) أنهم قالوا هذا القول في الحقيقة استهزاء ومعناه سمعنا قولك وعصينا أمرك (والثاني) أن حالهم كحال من قال ذلك إذ فعلوا ما دل عليه كما قال الشاعر:

قالت جناحاه لرجليه ألحقي

وإن كان الجناح لا يقول ذلك وإنما رجع سبحانه عن لفظ الخطاب إلى الخبر عن الغائب على عادة العرب المألوفة واختلف في هذا الضمير إلى من يعود فقيل إلى اليهود الذين كانوا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنهم قالوا ذلك ثم رجع إلى حديث أوائلهم فقال ﴿وأشربوا﴾ وقيل إلى اليهود الذين كانوا في عصر موسى (عليه السلام) إذ ردوا عليه قوله وقابلوه بالعصيان وقوله ﴿وأشربوا في قلوبهم﴾ فمعناه دخل قلوبهم حب العجل وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى بواطنها والطعام يجاوز الأعضاء ولا يتغلغل فيها قال الشاعر:

تغلغل حيث لم يبلغ شراب

ولا حزن ولم يبلغ سرور

وليس المعنى في قوله ﴿وأشربوا﴾ أن غيرهم فعل ذلك بهم بل هم الفاعلون لذلك كما يقول القائل أنسيت ذلك من النسيان وليس يريد أن غيره فعل ذلك به ويقال أوتي فلان علما جما وإن كان هو المكتسب له وقوله ﴿بكفرهم﴾ ليس معناه أنهم أشربوا حب العجل جزاء على كفرهم لأن محبة العجل كفر قبيح والله سبحانه لا يفعل الكفر في العبد لا ابتداء ولا جزاء بل معناه أنهم كفروا بالله تعالى بما أشربوه من محبة العجل وقيل إنما أشرب حب العجل قلوبهم من زينة عندهم ودعاهم إليه كالسامري وشياطين الجن والإنس فقوله ﴿بكفرهم﴾ معناه لاعتقادهم التشبيه وجهلهم بالله تعالى وتجويزهم العبادة لغيره أشربوا في قلوبهم حب العجل لأنهم صاروا إلى ذلك لهذه المعاني التي هي كفر وقول من قال فعل الله ذلك بهم عقوبة ومجازاة غلط فاحش لأن حب العجل ليس من العقوبة في شيء ولا ضرر فيه وقوله ﴿قل بئسما يأمركم به إيمانكم﴾ معناه قل يا محمد لهؤلاء اليهود بئس الشيء الذي يأمركم به إيمانكم إن كان يأمركم بقتل أنبياء الله ورسله والتكذيب بكتبه وجحد ما جاء من عنده ومعنى إيمانهم تصديقهم بالذي زعموا أنهم مصدقون به من كتاب الله بقولهم نؤمن بما أنزل علينا وقوله ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ أي مصدقين كنا زعمتم بالتوراة وفي هذا نفي عن التوراة أن يكون يأمر بشيء يكرهه الله من أفعالهم وإعلام بأن الذي يأمرهم بذلك أهواؤهم ويحملهم عليه آراؤهم.