الآيات 9-14

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ﴿11﴾ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴿12﴾ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿13﴾ ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴿14﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة ويعقوب مردفين بفتح الدال والباقون ﴿مردفين﴾ بكسر الدال وقرأ أهل المدينة يغشيكم بضم الياء وسكون الغين ﴿النعاس﴾ بالنصب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو يغشاكم بالألف وفتح الياء النعاس بالرفع والباقون ﴿يغشيكم﴾ بضم الياء وفتح الغين والتشديد ﴿النعاس﴾ بالنصب وفي الشواذ قراءة الشعبي ما ليطهركم به ما بمعنى الذي.

الحجة:

قال أبو علي مردفين يحتمل وجهين (أحدهما) أن يكون مردفين مثلهم كما قالوا أردفت زيدا خلفي فيكون في الآية المفعول الثاني محذوفا (والآخر) أن يكونوا جاءوا خلفهم تقول العرب بنو فلان يردفوننا أي يجيؤون بعدنا وقال أبو عبيدة مردفين جاءوا بعد، وردفني وأردفني واحد قال الشاعر:

إذا الجوزاء أردفت الثريا

ظننت ب آل فاطمة الظنونا وهذا الوجه كأنه أبين لقوله ﴿إذ تستغيثون ربكم﴾ إلى قوله ﴿مردفين﴾ أي جائين بعد استغاثتكم ربكم وإمداده إياكم بهم فمردفين على هذا صفة لألف وقال الزجاج معناه يأتون فرقة بعد فرقة ومردفين على أردفوا الناس أي أنزلوا بعدهم فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في ممدكم مردفين بألف من الملائكة وقرأ في الشواذ مردفين ومردفين والأصل فيهما مرتدفين فأدغم التاء في الدال فلما التقى ساكنان حرك الراء لالتقاء الساكنين فضمت تارة اتباعا لضمة الميم وكسرت تارة لأن الساكن يحرك بالكسر ومن قرأ يغشيكم و﴿يغشيكم﴾ فلأنه أشبه بما بعده من قوله ﴿وينزل عليكم﴾ فكما أنه مسند إلى اسم الله فكذلك يغشى ويغشى ومن قرأ يغشاكم فإنه أسند الفعل إلى النعاس كما في قوله أمنة نعاسا يغشى، وأغشى وغشى معناهما واحد وقد جاء بهما التنزيل قال سبحانه ﴿فأغشيناهم﴾ وقال فغشاها ما غشى ومن قرأ ما ليطهركم به فإن ما هاهنا موصولة وصلتها حرف الجر بما بعده فكأنه قال ما للطهور كقولك كسوت الثوب الذي لدفع البرد وهذه اللام في قراءة الجماعة ﴿ماء ليطهركم به﴾ هي لام المفعول له وهي كقوله ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله﴾ ويتعلق بنفس الفعل واللام التي في قراءة من قرأ ما ليطهركم به أي الذي للطهارة به فمتعلقة بمحذوف وفيها ضمير لتعلقها بالمحذوف.

اللغة:

الرعب الخوف يقال رعبته أرعبته رعبا ورعبا والرعب انزعاج النفس بتوقع المكروه وأصله التقطيع من قولهم رعبت السنام ترعيبا إذا قطعته مستطيلا فالرعب تقطع حال السرور بضده من انزعاج النفس بتوقع المكروه ورعب السيل فهو راعب إذا امتلأ منه الوادي لأنه انقطع إليه من كل جهة والبنان الأطراف من اليدين والرجلين والواحد بنانة ويقال للإصبع بنانة وأصله اللزوم وأصله من أبنت السحابة إبنانا إذا لزمت قال الشاعر:

ألا ليتني قطعت منه بنانه

ولاقيته في البيت يقظان خادرا

الشقاق العصيان وأصله الانفصال يقال شقه فانشق وشاقه شقاقا إذا صار في شق عدوه عليه ومنه اشتقاق الكلام لأنه انفصال الكلمة عما تحتمل في الأصل.

الإعراب:

العامل في إذ من قوله ﴿إذ تستغيثون﴾ قوله ويبطل الباطل وقيل محذوف وتقديره واذكروا إذ فعلى الوجه الأول يكون متصلا بما قبله وعلى الوجه الثاني يكون مستأنفا والهاء في جعله عائدة إلى الأمداد لأنه معتمد الكلام وقيل عائدة إلى الخبر بالمدد لأن تقديم ذلك إليهم بشارة على الحقيقة وقيل عائدة إلى الإرداف و﴿أمنة﴾ انتصب بأنه مفعول له والعامل فيه يغشى ﴿إذ يوحي﴾ في موضع نصب على معنى وما جعله الله إلا بشرى في ذلك الوقت ويجوز أن يكون ذلك على تقدير واذكروا إذ يغشيكم النعاس وإذ يوحي، ﴿ذلكم فذوقوه﴾ تقديره لأمر ذلكم فيكون خبر مبتدإ محذوف فيكون كما قال الشاعر:

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيين خلو كما هيأ

أي هذه خولان ويجوز أن يكون ذلكم منصوب الموضع فيكون مثل قولهم زيدا فاضربه منصوبا بفعل مضمر يفسره الظاهر وكم في ذلكم لا موضع له من الإعراب لأنه حرف الخطاب و﴿أن للكافرين﴾ يحتمل أن يكون موضعه نصبا وجرا ورفعا فالرفع بالعطف على ذلكم فكأنه قال الأمر ذلكم وأن للكافرين عذاب النار مع ذا والنصب بالعطف على قوله إني معكم ومعناه إذ يوحي ربكم أن للكافرين والجر على أن يكون معطوفا على قوله بأنهم شاقوا الله والرفع أليق بالظاهر ويشاقق بإظهار التضعيف مع الجزم لغة أهل الحجاز وغيرهم يدغم.

النزول:

قال ابن عباس لما كان يوم بدر واصطف القوم للقتال قال أبو جهل اللهم أولانا بالنصر فانصره واستغاث المسلمون فنزلت الملائكة ونزل قوله ﴿إذ تستغيثون ربكم﴾ إلى آخره وقيل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال يهتف ربه مادا يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه فأنزل الله تعالى ﴿إذ تستغيثون ربكم﴾ الآية عن عمر بن الخطاب والسدي وأبي صالح وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ولما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وجنه الليل ألقى الله على أصحابه النعاس وكانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا يثبت فيه قدم فأنزل الله عليهم المطر رذاذا حتى لبد الأرض وثبت أقدامهم وكان المطر على قريش مثل العزالي وألقى الله في قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى ﴿سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب﴾.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه ما آتى المسلمين من النصر فقال ﴿إذ تستغيثون ربكم﴾ أي تستجيرون بربكم يوم بدر من أعدائكم وتسألونه النصر عليهم لقلتكم وكثرتهم فلم يكن لكم مفزع إلا التضرع إليه والدعاء له في كشف الضر عنكم والاستغاثة طلب المعونة والغوث وقيل معناه تستنصرونه والفرق بين المستنصر والمستجير أن المستنصر طالب الظفر والمستجير طالب الخلاص ﴿فاستجاب لكم﴾ والاستجابة هي العطية على موافقة المسألة فمعناه فأغاثكم وأجاب دعاءكم ﴿أني ممدكم﴾ أي مرسل إليكم مددا لكم ﴿بألف من الملائكة مردفين﴾ أي متبعين ألفا آخر من الملائكة لأن مع كل واحد منهم ردفا له عن الجبائي وقيل معناه مترادفين متتابعين وكانوا ألفا بعضهم في إثر بعض عن ابن عباس وقتادة والسدي وقيل معناه بألف من الملائكة جاءوا على إثر المسلمين عن أبي حاتم ﴿إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم﴾ معناه وما جعله الله الأمداد بالملائكة إلا بشرى لكم بالنصر ولتسكن به قلوبكم وتزول الوسوسة عنها وإلا فملك واحد كاف للتدمير عليهم كما فعل جبريل (عليه السلام) بقوم لوط فأهلكهم بريشة واحدة واختلف في أن الملائكة هل قاتلت يوم بدر أم لا فقيل ما قاتلت ولكن شجعت وكثرت سواد المسلمين وبشرت بالنصر عن الجبائي وقيل إنها قاتلت قال مجاهد إنما أمدهم بألف مقاتل من الملائكة فأما ما قاله سبحانه في آل عمران بثلاثة آلاف وبخمسة آلاف فإنه للبشارة وقد ذكرنا هناك ما قيل فيه وروي عن ابن مسعود أنه سأله أبو جهل من أين كان يأتينا الضرب ولا نرى الشخص قال من قبل الملائكة فقال هم غلبونا لا أنتم وعن ابن عباس أن الملائكة قاتلت يوم بدر وقتلت ﴿وما النصر إلا من عند الله﴾ معناه أنه لم يكن النصر من قبل الملائكة وإنما كان من قبل الله لأنهم عباده ينصر بهم من يشاء كما ينصر بغيرهم ويحتمل أن يكون المعنى ما النصر بكثرة العدد ولكن النصر من عند الله ينصر من يشاء قل العدد أم كثر ﴿إن الله عزيز﴾ لا يمنع عن مراده ﴿حكيم﴾ في أفعاله يجريها على ما تقتضيه الحكمة ﴿إذ يغشيكم النعاس﴾ قد ذكرنا تفسيره عند قوله ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا والنعاس أول النوم قبل أن يثقل ﴿أمنة﴾ أي أمانا ﴿منه﴾ أي من العدو وقيل من الله فإن الإنسان لا يأخذه النوم في حال الخوف ف آمنهم الله تعالى بزوال الرعب عن قلوبهم كما يقال الخوف مسهر والأمن منيم والأمنة الدعة التي تنافي المخافة وأيضا فإنه قواهم بالاستراحة على القتال من العدو ﴿وينزل عليكم من السماء ماء﴾ أي مطرا ﴿ليطهركم به﴾ وذلك لأن المسلمين قد سبقهم الكفار إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل وأصبحوا محدثين ومجنبين وأصابهم الظمأ ووسوس إليهم الشيطان فقال إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء وأنتم تصلون مع الجنابة والحدث وتسوخ أقدامكم في الرمل فمطرهم الله حتى اغتسلوا به من الجنابة وتطهروا به من الحدث وتلبدت به أرضهم وأوحلت أرض عدوهم ﴿ويذهب عنكم رجز الشيطان﴾ أي وسوسته بما مضى ذكره عن ابن عباس وقيل معناه ويذهب عنكم وسوسته بقوله ليس لكم بهؤلاء طاقة عن ابن زيد وقيل معناه ويذهب عنكم الجنابة التي أصابتكم بالاحتلام ﴿وليربط على قلوبكم﴾ أي وليشد على قلوبكم ومعناه يشجع قلوبكم ويزيدكم قوة قلب وسكون نفس وثقة بالنصر ﴿ويثبت به الأقدام﴾ أي أقدامكم في الحرب بتلبد الرمل عن ابن عباس ومجاهد وجماعة وقيل بالصبر وقوة القلب عن أبي عبيدة والهاء في به ترجع إلى الماء المنزل وقيل إلى ما تقدم من الربط على القلوب ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم﴾ يعني الملائكة الذين أمد بهم المسلمين أي أني معكم بالمعونة والنصرة كما يقال فلان مع فلان على فلان والإيحاء إلقاء المعنى على النفس من وجه يخفى وقد يكون بنصب دليل يخفى إلا على من ألقى إليه من الملائكة ﴿فثبتوا الذين آمنوا﴾ يعني بشروهم بالنصر وكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل ويقول أبشروا فإن الله ناصركم عن مقاتل وقيل معناه قاتلوا معهم المشركين عن الحسن وقبل ثبتوهم بأشياء تلقونها في قلوبهم يقوون بها عن الزجاج ﴿سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب﴾ أي الخوف من أوليائي ﴿فاضربوا فوق الأعناق﴾ يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق قال عطا يريد كل هامة وجمجمة وجائز أن يكون هذا أمرا للمؤمنين وجائز أن يكون أمرا للملائكة وهو الظاهر قال ابن الأنباري إن الملائكة حين أمرت بالقتال لم تعلم أين تقصد بالضرب من الناس فعلمهم الله تعالى ﴿واضربوا منهم كل بنان﴾ يعني الأطراف من اليدين والرجلين عن ابن عباس وابن جريج والسدي وقيل يعني أطراف الأصابع اكتفى الله به عن جملة اليد والرجل عن ابن الأنباري ﴿ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله﴾ معناه ذلك العذاب لهم والأمر بضرب الأعناق والأطراف وتمكين المسلمين منهم بسبب أنهم خالفوا الله ورسوله قال ابن عباس معناه حاربوا الله ورسوله ثم أوعد المخالف فقال ﴿ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب﴾ في الدنيا بالإهلاك وفي الآخرة بالتخليد في النار ﴿ذلكم فذوقوه﴾ أي هذا الذي أعددت لكم من الأمر والقتل في الدنيا فذوقوه عاجلا ﴿وأن للكافرين﴾ آجلا في المعاد ﴿عذاب النار﴾ قال الحسن ذلكم حكم الله فذوقوه في الدنيا وأن لكم ولسائر الكافرين في الآخرة عذاب النار ومعناه كونوا للعذاب كالذائق للطعام وهو طالب إدراك الطعم بتناول السير بالفم لأن معظم العذاب بعده.

تمام القصة:

ولما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر عبا أصحابه فكان في عسكره فرسان فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد بن الأسود وكان في عسكره سبعون جملا كانوا يتعاقبون عليها وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون على جمل لمرثد بن أبي مرثد وكان في عسكر قريش أربعمائة فرس وقيل مائتا فرس فلما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أبو جهل ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد فقال عتبة بن ربيعة أ ترى لهم كمينا أو مددا فبعثوا عمير بن وهب الجمحي وكان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم رجع فقال ليس لهم كمين ولا مدد ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع أ ما ترونهم خرسا لا يتكلمون ويتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلا سيوفهم وما أراهم يولون حتى يقتلوا ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فارتئوا رأيكم فقال له أبو جهل كذبت وجنبت فأنزل الله تعالى ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ فبعث إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا معشر قريش إني أكره أن أبدأ بكم فخلوني والعرب وارجعوا فقال عتبة ما رد هذا قوم قط فأفلحوا ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا وخطب عتبة فقال في خطبته يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر إن محمدا له إل وذمة وهو ابن عمكم فخلوه والعرب فإن يك صادقا فأنتم أعلى عينا به وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره فغاظ أبا جهل قوله وقال له جنبت وانتفخ سحرك فقال يا مصفر استه مثلي يجبن وستعلم قريش أينا ألأم وأجبن وأينا المفسد لقومه ولبس درعه وتقدم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش فبرز إليهم ثلاثة نفر من الأنصار وانتسبوا لهم فقالوا ارجعوا إنما نريد الأكفاء من قريش فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب وكان له يومئذ سبعون سنة فقال قم يا عبيدة ونظر إلى حمزة فقال قم يا عم ثم نظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال قم يا علي وكان أصغر القوم فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها تريد أن تطفىء نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ثم قال يا عبيدة عليك بعتبة بن ربيعة وقال لحمزة عليك بشيبة وقال لعلي (عليه السلام) عليك بالوليد فمروا حتى انتهوا إلى القوم فقالوا أكفاء كرام فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنها فسقطا جميعا وحمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما وحمل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على الوليد فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه قال علي لقد أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض ثم اعتنق حمزة وشيبة فقال المسلمون يا علي أما ترى أن الكلب قد نهز عمك فحمل عليه علي (عليه السلام) ثم قال يا عم طأطىء رأسك وكان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علي فطرح نصفه ثم جاء إلى عتبة وبه رمق فأجهز عليه وفي رواية أخرى أنه برز حمزة لعتبة وبرز عبيدة لشيبة وبرز علي (عليه السلام) للوليد فقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة وقتل علي (عليه السلام) الوليد فضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنفذه حمزة وعلي وحمل عبيدة حمزة وعلي حتى أتيا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاستعبر فقال يا رسول الله ألست شهيدا قال بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي وقال أبو جهل لقريش لا تعجلوا ولا تبطروا كما بطر أبناء ربيعة عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزرا وعليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي هم عليها وجاء إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جشعم فقال لهم أنا جار لكم ادفعوا إلي رايتكم فدفعوا إليه راية الميسرة وكانت الراية مع بني عبد الدار فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال لأصحابه غضوا أبصاركم وعضوا على النواجذ ورفع يده فقال يا رب إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ثم أصابه الغشي فسري عنه وهو يسلت العرق عن وجهه فقال هذا جبرائيل قد أتاكم بألف من الملائكة مردفين وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال لقد رأينا يوم بدر أن أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه من جسده قبل أن يصل إليه السيف قال ابن عباس حدثني رجل من بني غفار قال أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة فبينا نحن هناك إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها جمجمة الخيل فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم ثم قال فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يوم بدر هذا جبرائيل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب أورده البخاري في الصحيح قال عكرمة قال أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت وأسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره أن يخالفهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وكذلك صنعوا لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كتبه الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا قال وكنت رجلا ضعيفا وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم فو الله إني لجالس فيها أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذا أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان بن حرث بن عبد المطلب وقد قدم فقال أبو لهب هلم إلي يا ابن أخي فعندك الخبر فجلس إليه والناس قيام عليه فقال يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس قال لا شيء ولله إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاءوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء قال أبو رافع فرفعت طرف الحجرة بيدي ثم قلت تلك الملائكة قال فرفع أبو لهب يده وضرب وجهي ضربة شديدة فثاورته واحتملني فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجة منكرة وقالت تستضعفه إن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتله ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا ما يدفنانه حتى أنتن في بيته وكانت قريش تتقي العدسة كما يتقي الناس الطاعون حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تغيبانه فقالا إنا نخشى هذه القرحة قال فانطلقا فإنا معكما فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار وقذفوا عليه بالحجارة حتى واروه وروى مقسم عن ابن عباس قال كان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو أخا بني سلمة وكان أبو اليسر رجلا مجموعا وكان العباس رجلا جسيما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأبي اليسر كيف أسرت العباس يا أبا اليسر فقال يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده هيأته كذا وكذا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقد أعانك عليه ملك كريم.