الآيات 204-206
وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿204﴾ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴿205﴾ إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴿206﴾
اللغة:
الإنصات السكوت مع استماع قال ابن الأعرابي نصت وأنصت وانتصت استمع الحديث وسكت وأنصته وأنصت له وأنصت الرجل سكت وأنصته غيره عن الأزهري والآصال جمع أصل وأصل جمع أصيل فالآصال جمع الجمع وتصغيره أصيلان على إبدال النون ومعناه العشيات وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس.
الإعراب:
﴿تضرعا وخيفة﴾ مصدران وضعا موضع الحال أي متضرعين وخائفين و﴿دون الجهر﴾ عطف عليه فيجب أن يكون في موضع الحال أي وغير رافعين أصواتكم حتى يبلغ حد الجهر.
المعنى:
ثم أمر سبحانه بالاستماع للقرآن عند قراءته فقال ﴿وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا﴾ اختلف في الوقت المأمور بالإنصات للقرآن والاستماع له فقيل إنه في الصلاة خاصة خلف الإمام الذي يؤتم به إذا سمعت قراءته عن ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ومجاهد والزهري وروي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) قالوا وكان المسلمون يتكلمون في صلاتهم ويسلم بعضهم على بعض وإذا دخل داخل فقال لهم كم صليتم أجابوه فنهوا عن ذلك وأمروا بالاستماع وقيل أنه في الخطبة أمروا بالإنصات والاستماع إلى الإمام يوم الجمعة عن عطا وعمرو بن دينار وزيد بن أسلم وقيل أنه في الخطبة والصلاة جميعا عن الحسن وجماعة قال الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه وأقوى الأقوال الأول لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلا حالة قراءة الإمام في الصلاة فإن على المأموم الإنصات والاستماع فأما خارج الصلاة فلا خلاف أن الإنصات والاستماع غير واجب وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وغيرها قال وذلك على وجه الاستحباب وفي كتاب العياشي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قرأ ابن الكوا خلف أمير المؤمنين (عليه السلام) لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فأنصت له أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل يقرأ القرآن أيجب على من سمعه الإنصات له والاستماع قال نعم إذا قرىء عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع قال الزجاج ويجوز أن يكون فاستمعوا له وأنصتوا أي اعملوا بما فيه ولا تجاوزوا لأن معنى قول القائل سمع الله دعاءك أجاب الله دعاءك لأن الله سميع عليم وقال الجبائي أنها نزلت في ابتداء التبليغ ليعلموا أو يتفهموا وقال أحمد بن حنبل أجمعت الأمة على أنها نزلت في الصلاة ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي لترحموا بذلك وباعتباركم به واتعاظكم بمواعظه ﴿واذكر ربك في نفسك﴾ خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد به عام وقيل هو خطاب لمستمع القرآن والمعنى واذكر ربك في نفسك بالكلام من التسبيح والتهليل والتحميد وروى زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال معناه إذا كنت خلف الإمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة وقيل معناه واذكر نعمة ربك بالتفكر في نفسك وقيل أراد أذكره في نفسك بصفاته العليا وأسمائه الحسنى ﴿تضرعا وخيفة﴾ يعني بتضرع وخوف يعني في الدعاء فإن الدعاء بالتضرع والخوف من الله تعالى أقرب إلى الإجابة وإنما خص الذكر بالنفس لأنه أبعد من الرياء عن الجبائي ﴿ودون الجهر من القول﴾ معناه ارفعوا أصواتكم قليلا ولا تجهروا بها جهارا بليغا حتى يكون عدلا بين ذلك كما قال ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وقيل أنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه عن ابن عباس ﴿بالغدو والآصال﴾ أي بالغدوات والعشيات عن قتادة والمراد به دوام الذكر واتصاله وقيل إنما خص هذين الوقتين لأنهما حال فراغ القلب عن طلب المعاش فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب ﴿ولا تكن من الغافلين﴾ عما أمرتك به من الدعاء والذكر وقيل إن الآية متوجهة إلى من أمر بالاستماع للقرآن والإنصات وكانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالدعاء عند ذكر الجنة أو النار عن ابن زيد ومجاهد وابن جريج قال الجبائي وفي الآية دليل على أن الذين يرفعون أصواتهم عند الدعاء ويجهرون به مخطئون وعلى خلاف الصواب ثم ذكر سبحانه ما يبعث إلى الذكر ويدعو إليه فقال ﴿إن الذين عند ربك﴾ وهم الملائكة عن الحسن وغيره ﴿لا يستكبرون عن عبادته﴾ معناه أنهم مع جلالة قدرهم وعلو أمرهم يعبدون الله ويذكرونه وفائدته أنكم إن استكبرتم عن عبادته فمن هو أعظم حالا منكم لا يستكبر عنها وإنما قال عند ربك تشريفا للملائكة بإضافتهم إلى نفسه ولم يرد به قرب المكان تعالى الله عن ذلك وتقدس وقيل معناه أنهم في المكان الذي شرفه الله تعالى ولا يملك عليهم الحكم إلا الله تعالى بخلاف البشر كما يقال عند الأمير كذا وكذا من الجند والمراد أنهم في حكمه وتحت أمره وعند فلان كذا من المال ولا يراد به أن ذلك بحضرته وقال الزجاج من قرب من رحمة الله وفضله فهو عند الله أي هو قريب من فضله وإحسانه ﴿ويسبحونه﴾ أي ينزهونه عما لا يليق به ﴿وله يسجدون﴾ أي يخضعون وقيل يصلون وقيل يسجدون في الصلاة عن الحسن ولا خلاف أن هاهنا سجدة وهي أول سجدات القرآن واختلف في سجدة التلاوة هل هي واجبة فعند أبي حنيفة واجبة وعند الشافعي سنة مؤكدة وإليه ذهب أصحابنا.