الآيات 11-13

قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿11﴾ قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿12﴾ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ العليمُ ﴿13﴾

الإعراب:

قال الأخفش ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ بدل من الكاف والميم في ليجمعنكم وقال الزجاج هو في موضع رفع على الابتداء وخبره ﴿فهم لا يؤمنون﴾ لأن ليجمعنكم مشتمل على سائر الخلق الذين خسروا أنفسهم وغيرهم قال واللام في ليجمعنكم لام قسم فجائز أن يكون تمام الكلام كتب ربكم على نفسه الرحمة ثم استأنف فقال ليجمعنكم والمعنى والله ليجمعنكم وجائز أن يكون ليجمعنكم بدلا من الرحمة مفسرا لها لأنه لما قال كتب ربكم على نفسه الرحمة فسر رحمته بأنه يمهلهم إلى يوم القيامة ليتوبوا.

المعنى:

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار ﴿سيروا في الأرض﴾ أي سافروا فيها ﴿ثم انظروا﴾ والنظر طلب الإدراك بالبصر وبالفكر وبالاستدلال ومعناه هنا فانظروا بأبصاركم وتفكروا بقلوبكم ﴿كيف كان عاقبة المكذبين﴾ المستهزءين وإنما أمرهم بذلك لأن ديار المكذبين من الأمم السالفة كانت باقية وأخبارهم في الخسف والهلاك كانت شائعة فإذا سار هؤلاء في الأرض وسمعوا أخبارهم وعاينوا آثارهم دعاهم ذلك إلى الإيمان وزجرهم عن الكفر والطغيان ثم قال ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار ﴿لمن ما في السماوات والأرض﴾ الله الذي خلقهما أم الأصنام فإن أجابوك فقالوا الله وإلا ف ﴿قل﴾ أنت ﴿لله﴾ أي ملكهما وخلقهما والتصرف فيهما كيف يشاء له ﴿كتب على نفسه الرحمة﴾ أي أوجب على نفسه الإنعام على خلقه وقيل معناه أوجب على نفسه الثواب لمن أطاعه وقيل أوجب على نفسه الرحمة بإنظاره عباده وإمهاله إياهم ليتداركوا ما فرطوا فيه ويتوبوا عن معاصيهم وقيل أوجب على نفسه الرحمة لأمة محمد بأن لا يعذبهم عند التكذيب كما عذب من قبلهم من الأمم الماضية والقرون الخالية عند التكذيب بل يؤخرهم إلى يوم القيامة عن الكلبي ﴿ليجمعنكم إلى يوم القيامة﴾ أي ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة فيكون تفسيرا للرحمة على ما ذكرناه أن المراد به إمهال العاصي ليتوب وقيل إن هذا احتجاج على من أنكر البعث والنشور ويقول ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه كما تقول جمعت هؤلاء إلى هؤلاء أي ضممت بينهم في الجمع يريد بجمع آخركم إلى أولكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة وهو الذي ﴿لا ريب فيه﴾ وقيل معناه ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم إلى هذا اليوم الذي يجحدونه ويكفرون به عن الأخفش ويسأل عن هذا فيقال كيف يحذر المشركين بالبعث وهم لا يصدقون به والجواب أنه جار مجرى الإلزام وأيضا فإنه تعالى إنما ذكر ذلك عقيب الدليل ويقال كيف نفى الريب مطلقا فقال لا ريب فيه والكافر مرتاب فيه والجواب أن الحق حق وإن ارتاب فيه المبطل وأيضا فإن الدلائل تزيل الشك والريب فإن نعم الدنيا تعم المحسن والمسيء فلا بد من دار يتميز فيه المحسن من المسيء وأيضا فقد صح أن التكليف تعريف للثواب وإذا لم يمكن إيصال الثواب في الدنيا لأن من شأنه أن يكون صافيا من الشوائب فلا يكون مقترنا بالتكليف لأن التكليف لا يعري من المشقة فلا بد من دار أخرى وأيضا فإن التمكين من الظلم من غير انتصاف في العاجل وإنزال الأمراض من غير استحقاق ولا إيفاء عوض في العاجل توجب قضية العقل في ذلك أن يكون دار أخرى توفى فيها الأعواض وينتصف من المظلوم للظالم ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ أي أهلكوها بارتكاب الكفر والعناد ﴿فهم لا يؤمنون﴾ أي لا يصدقون بالحق ولما ذكر تعالى ملك السماوات والأرض عقبه بذكر ما فيهما فقال ﴿وله ما سكن﴾ أي وله كل متمكن ساكن ﴿في الليل والنهار﴾ خلقا وملكا وملكا وإنما ذكر الليل والنهار هنا وذكر السماوات والأرض فيما قبل لأن الأول يجمع المكان والثاني يجمع الزمان وهما ظرفان لكل موجود فكأنه أراد الأجسام والأعراض وعلى هذا فلا يكون السكون في الآية ما هو خلاف الحركة بل المراد به الحلول كما قال ابن الأعرابي إنه من قولهم فلان يسكن بلد كذا أي يحله وهذا موافق لقول ابن عباس وله ما استقر في الليل والنهار من خلق وقيل معناه ما سكن في الليل للاستراحة وتحرك في النهار للمعيشة وإنما ذكر الساكن دون المتحرك لأنه أعم وأكثر ولأن عاقبة التحرك السكون ولأن النعمة في السكون أكثر والراحة فيه أعم وقيل أراد الساكن والمتحرك وتقديره وله ما سكن وتحرك إلا أن العرب قد تذكر أحد وجهي الشيء وتحذف الآخر لأن المذكور ينبه على المحذوف كقوله تعالى ﴿سرابيل تقيكم الحر﴾ والمراد الحر والبرد ومتى قيل لما ذا ذكر السكون والحركة من بين سائر المخلوقات فالجواب لما في ذلك من التنبيه على حدوث العالم وإثبات الصانع لأن كل جسم لا ينفك من الحوادث التي هي الحركة والسكون فإذا لا بد من محرك ومسكن لاستواء الوجهين في الجواز ولما نبه على إثبات الصانع عقبه بذكر صفته فقال ﴿وهو السميع العليم﴾ والسميع هو الذي على صفة يصح لأجلها أن يسمع المسموعات إذا وجدت وهو كونه حيا لا آفة به ولذلك يوصف به فيما لم يزل والعليم هو العالم بوجوده التدابير في خلقه وبكل ما يصح أن يعلم وإنما جعل الليل والنهار في هذه الآية كالمسكن لما اشتملا عليه لأنه ليس يخرج منهما شيء فجمع كل الأشياء بهذا اللفظ القليل الحروف وهذا من أفصح ما يمكن كما قال النابغة:

فإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت إن المنتأى عنك واسع فجعل الليل مدركا له إذ كان مشتملا عليه.