الآيـة 87

وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ﴿88﴾

القراءة:

القراءة المشهورة ﴿غلف﴾ بسكون اللام وروي في الشواذ عن أبي عمرو غلف بضم اللام.

الحجة:

من قرأ بالتسكين فهو جمع الأغلف مثل أحمر وحمر ويقال للسيف إذا كان في غلاف أغلف وقوس غلفاء وجمعها غلف ولا يجوز تثقيله إلا في ضرورة الشعر نحو قول طرفة:

أيها الفتيان في مجلسنا

جردوا منها ورادا وشقر

فحركت لضرورة الشعر فمن قرأ غلف مثقلا فهو جمع غلاف نحو مثال ومثل وحمار وحمر فيكون معناه أن قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم ويجوز أن يكون التسكين عن التثقيل مثل رسل ورسل.

اللغة:

اللعن هو الإقصاء والإبعاد يقال لعن فلان فلانا فهو ملعون ثم يصرف.

مفعول منه إلى فعيل فقيل لعين قال الشماخ:

وماء قد وردت لوصل أروى

عليه الطير كالورق اللجين

ذعرت به القطا ونفيت عنه

مقام الذئب كالرجل اللعين.

الإعراب:

﴿قليلا﴾ منصوب بأنه صفة لمصدر محذوف وإنما حذف لأن الصفة تقوم مقامه وتدل عليه أي فإيمانا قليلا ما يؤمنون وقيل أنه منصوب على الحال أي يؤمنون وهم قليل وقيل وتقديره بقليل ما يؤمنون حذف الجار فوصل الفعل إليه فنصبه وما هاهنا مزيدة للتوكيد ولا معنى لها كما في قوله ﴿فبما رحمة من الله﴾ وتقدير الكلام فقليلا يؤمنون وكما في قول الشاعر:

لو بابانين جاء يخطبها

خضب ما أنف خاطب بدم

وقيل إن معنى ما هاهنا هو أن يدل على غاية التنكير في الاسم وفرط الإبهام فيه

كما يقال أمر ما وشيء ما إذا أريد المبالغة في الإبهام.

المعنى:

﴿وقالوا قلوبنا غلف﴾ رجع الكلام إلى الحكاية عن اليهود وعن سوء مقالهم وفعالهم فالمعنى على القراءة الأولى أنهم ادعوا أن قلوبهم ممنوعة من القبول فقالوا أي فائدة في إنذارك لنا ونحن لا نفهم ما تقول إذ ما تقوله ليس مما يفهم كقوله تعالى ﴿وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر﴾ وقال أبو علي الفارسي ما يدرك به المعلومات من الحواس وغيرها من الأعضاء إذا ذكر بأنه لا يعلم وصف بأن عليه مانعا من ذلك ودونه حائلا فمن ذلك قوله تعالى ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾ لما كان القفل حاجزا بين المقفل عليه وحائلا من أن يدخله ما يدخل إذا لم يكن مقفلا جعل مثالا للقلوب بأنها لا تعي ولا تفقه وكذلك قوله ﴿لقالوا إنما سكرت أبصارنا﴾ و﴿الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري﴾ وقوله ﴿بل هم منها عمون﴾ كان شدة عنادهم تحملهم على الشك في المشاهدات ودفع المعلومات وأما المعنى على القراءة الثانية من تحريك العين في غلف فهو على أن المراد أن قلوبنا أوعية للعلم ونحن علماء ولو كان ما تقوله شيئا يفهم أوله طائل لفهمناه أو يكون المراد ليس في قلوبنا ما تذكره فلو كان علما لكان فيها وقوله ﴿بل لعنهم الله بكفرهم﴾ رد الله سبحانه عليهم قولهم أي ليس ذلك كما زعموا لكن الله سبحانه قد أقصاهم وأبعدهم من رحمته وطردهم عنها بجحودهم به وبرسله وقيل معنى لعنهم طبع على قلوبهم على سبيل المجازاة لهم بكفرهم وقوله ﴿فقليلا ما يؤمنون﴾ معناه أن هؤلاء الذين وصفهم قليلو الإيمان بما أنزل على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإن كان معهم بعض الإيمان من التصديق بالله وبصفاته وغير ذلك مما كان فرضا عليهم وذلك قليل بالإضافة إلى ما جحدوه من التصديق بنبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبما جاء به والذي يليق بمذهبنا أن يكون المراد به لا إيمان لهم أصلا وإنما وصفهم بالقليل كما يقال قل ما رأيت هذا قط أي ما رأيت هذا قط وإن جعلت قليلا نصبا على الحال أي يؤمنون قليلا فمعناه لا يؤمن به إلا نفر قليل كعبد الله بن سلام وأصحابه وفي هذه الآية رد على المجبرة لأن هؤلاء اليهود قالوا مثل ما يقولونه من أن على قلوبهم ما يمنع من الإيمان ويحول بينها وبينه فكذبهم الله تعالى في ذلك بأن لعنهم وذمهم ولو كانوا صادقين لما استحقوا اللعن والطرد ولكان الله سبحانه قد كلفهم ما لا يطيقونه.