الآيات 201-203
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴿201﴾ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ ﴿202﴾ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿203﴾
القراءة:
قرأ أهل البصرة وابن كثير والكسائي طيف بغير ألف وهو قراءة النخعي والأسود بن زيد وقرأ الباقون ﴿طائف﴾ بالألف وقرأ أهل المدينة يمدونهم بضم الياء وكسر الميم والباقون بفتح الياء وضم الميم وفي الشواذ عن الجحدري يمادونهم وعن عيسى بن عمر يقصرون بفتح الياء وضم الصاد.
الحجة:
الطيف مصدر طاف الخيال يطيف طيفا إذا ألم به في المنام فمعناه إذا مسهم خطرة من الشيطان ويكون الطائف بمعناه فطيف كالخطرة وطائف كالخاطر والطيف
أكثر قال:
ألا يا لقومي لطيف الخيال
أرق من نازح ذي دلال وقال الأعشى:
وتصبح عن غب السري وكأنما
ألم بها من طائف الجن أولق وقال أبو علي عامة ما جاء في التنزيل فيما يحمد ويستحب أمددت على أفعلت كقوله إنما نمدهم به من مال وبنين وأمددناهم بفاكهة وأتمدونن بمال وما كان بخلافه على مددت قال ويمدهم في طغيانهم فهذا يدل على أن الوجه فتح الياء كما ذهب إليه الأكثر والوجه في قراءة من قرأ يمدونهم أنه مثل فبشرهم بعذاب أليم فسنيسره للعسرى والله أعلم ويمادونهم يفاعلونهم منه أي يعاونونهم وقصر يقصر لغة في أقصر يقصر ويقال أقصر عنه إذا تركه عن قدرة وقصر عنه إذا ضعف عنه.
اللغة:
الممسوس الذي به مس جن والممسوس من المياه ما نالته الأيدي والاجتباء افتعال من الجباية ونظيره الاصطفاء وهو استخلاص الشيء للنفس قال علي بن عيسى أصله الاستخراج ومنه الجباية الخراج وقيل أصله الجمع من جبيت الماء في الحوض والحوض جابية لجمعها الماء قال الفراء اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك قال أبو عبيدة واخترعته مثل ذلك قال أبو زيد هذه الحروف تقولها العرب للكلام يبتدؤه الرجل لم يكن أعده قبل ذلك في نفسه والبصائر البراهين والحجج جمع بصيرة والبصائر أيضا طرائق الدم قال الأشعر الجعفي:
راحوا بصائرهم على أكتافهم
وبصيرتي يعدو بها عتد وأي أو البصيرة الترس وجمعها بصائر قال الزجاج وجميع هذا معناه ظهور الشيء وتبيانه.
الإعراب:
إذا الأولى ظرف زمان ويكون لها جواب بمنزلة الجزاء وإذا الثانية ظرف مكان بمعنى المفاجاة كقولك خرجت فإذا زيد.
المعنى:
ثم ذكر سبحانه طريقة المتقين إذا عرضت لهم وساوس الشياطين فقال ﴿إن الذين اتقوا﴾ الله باجتناب معاصيه ﴿إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا﴾ قيل معناه إذا وسوس إليهم الشيطان وأغراهم بمعصيته تذكروا ما عليهم من العقاب بذلك فيجتنبونه ويتركونه وهو معنى قول ابن عباس والسدي وقال الحسن يعني إذا طاف عليهم الشيطان بوساوسه وقال سعيد بن جبير هو الرجل الذي يغضب الغضبة فيتذكر فيكظم غيظه وبه قال مجاهد وروي عنه أيضا أنه قال هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيتركه وقيل طائف غضب وطيف جنون وقيل معناهما واحد ﴿فإذا هم مبصرون﴾ للرشد ﴿وإخوانهم يمدونهم في الغي﴾ معناه وإخوان المشركين من شياطين الجن والإنس يمدونهم في الضلال والمعاصي أي يزيدونهم فيه ويزينون لهم ما هم فيه ﴿ثم لا يقصرون﴾ ثم لا يكفون يعني الشيطان عن استغوائهم ولا يرحمونهم عن مجاهد وقتادة وقيل معناه وإخوان الشياطين من الكفار يمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصر هؤلاء مع ذلك كما يقصر الذين اتقوا عن ابن عباس والسدي والجبائي وقيل معناه ثم لا يقصر الشياطين عن إغوائهم ولا يقصرونهم عن ارتكاب الفواحش ﴿وإذا لم تأتهم بآية قالوا لو لا اجتبيتها﴾ معناه أنك يا محمد إذا جئتهم ب آية كذبوا بها وإذا أبطأت عنهم يقترحونها ويقولون هلا جئتنا به من قبل نفسك فليس كل ما تقوله وحي من السماء عن قتادة ومجاهد والزجاج وقيل معناه إذا لم تأتهم ب آية مقترحة قالوا هلا اخترتها من قبل نفسك فتسأل ربك أن يأتيك بها عن ابن عباس والجبائي وأبي مسلم ﴿قل﴾ يا محمد لهم ﴿إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي﴾ أي لست آتي بالآيات من عندي وإنما يفعلها الله تعالى ويظهرها على حسب ما يعلم من المصلحة في ذلك لا بحسب اقتراح الخلق وإنما أتبع الوحي ولا أتعداه وليس لي أن أسأله إنزال الآيات إلا بعد إذنه في السؤال ﴿هذا بصائر من ربكم﴾ هذا القرآن دلائل ظاهرة وحجج واضحة وبراهين ساطعة من ربكم يبصر الإنسان بها أمور دينه ﴿وهدى ورحمة﴾ أي ودلالة تهدي إلى الرشد ونعمة في الدين والدنيا ﴿لقوم يؤمنون﴾ خص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون بها دون غيرهم من الكفار وفي هذه الآية دلالة على أن أفعال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأقواله تابعة للوحي وأنه لا يجوز أن يعمل بالرأي والقياس.
النظم:
قيل إن هذه الآية اتصلت بقوله ﴿يسألونك عن الساعة﴾ وتقديره ويسألونك عن الآيات فإذا لم تأتهم بها قالوا لو لا اجتبيتها عن أبي مسلم وقيل اتصلت بما قبلها من قوله ﴿وإخوانهم يمدونهم﴾ ومعناه يبقون في الضلالة وإذا لم تأتهم بآية يسألون عنها فقالوا كذا.