الآيـة 81-82

بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿81﴾ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿82﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة خطيئاته على الجمع والباقون على التوحيد.

الحجة:

قال أبو علي يجوز أن يكون من للجزاء الجازم ويجوز أن يكون للجزاء غير الجازم فتكون السيئة وإن كانت مفردة يراد بها الكثرة وكذلك تكون خطيئة مفردة وإنما حسن أن يفرد لأنه مضاف إلى ضمير مفرد وإن كان يراد به الكثرة كما قال تعالى بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه فأفرد الوجه والأجر وإن كان في المعنى جمعا في الموضعين فكذلك المضاف إليه الخطيئة لما لم يكن جمعا لم يجمع كما جمعت في قوله نغفر لكم خطاياكم وليغفر لنا خطايانا لأن ذلك مضاف إلى جمع ومن قال خطيئاته فجمع حمله على المعنى والمعنى الجمع والكثرة ويدل عليه قوله ﴿فأولئك أصحاب النار﴾ فأولئك خبر المبتدأ الذي هو من في قول من جعله جزاء مجزوما وفي كلا الوجهين يراد به من في قوله ﴿بلى من كسب سيئة﴾ ومما يدل على أن من يراد به الكثرة فيجوز لذلك أن يجمع خطيئة لأنها مضافة إلى جمع في المعنى قوله بعد هذه ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون﴾ ألا ترى أن الذين جمع وهو معادل به فكذلك المعادل به يكون جمعا مثل ما عودل.

الإعراب:

بلى جواب لقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة والفرق بين بلى ونعم أن بلى جواب النفي ونعم جواب الإيجاب قال الفراء إنما امتنعوا من استعمال نعم في جواب الجحد لأنه إذا قال لغيره ما لك علي شيء فقال له نعم فقد صدقه وكأنه قال نعم ليس لي عليك شيء وإذ قال بلى فإنما هو رد لكلامه أي لي عليك شيء وقوله ﴿هم فيها خالدون﴾ عطف هذه الجملة على الأولى بغير حرف العطف لأن في الجملة الثانية ذكرا ممن في الأولى والضمير يربط الكلام الثاني بالأول كما أن حرف العطف يربطه به مثل قوله ﴿أنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون﴾ وقال في موضع آخر وكانوا يصرون بالواو وقال ﴿سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم﴾ فحذفت الواو من قوله رابعهم وسادسهم استغناء عنها بما في الجملة من ذكر ما في الأول لأن الحرف يدل على الاتصال وما في الجملة من ذكر ما تقدمها اتصال أيضا فاستغنى به عنه.

المعنى:

رد الله تعالى على اليهود قولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة فقال ﴿بلى﴾ أي ليس الأمر كما قالوا ولكن ﴿من كسب سيئة﴾ اختلف في السيئة فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم السيئة هاهنا الشرك وقال الحسن هي الكبيرة الموجبة للنار وقال السدي هي الذنوب التي أوعد الله عليها النار والقول الأول يوافق مذهبنا لأن ما عدا الشرك لا يستحق به الخلود في النار عندنا وقوله ﴿أحاطت به خطيئته﴾ يحتمل أمرين (أحدهما) أنها أحدقت به من كل جانب كقوله تعالى ﴿وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ (والثاني) أن المعنى أهلكته من قوله ﴿إلا أن يحاط بكم﴾ وقوله ﴿وظنوا أنهم أحيط بهم﴾ وقوله ﴿وأحيط بثمره﴾ وهذا كله بمعنى البوار والهلكة فالمراد أنها سدت عليهم طريق النجاة وروي عن ابن عباس والضحاك وأبي العالية أن المراد بالخطيئة الشرك وعن الحسن إنها الكبيرة وعن عكرمة ومقاتل إنها الإصرار على الذنب وإنما قال ﴿من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته﴾ ولم يقل وأحاطت به سيئته خالف بين اللفظين ليكون أبلغ وأفصح ﴿فأولئك أصحاب النار﴾ أي يصحبون النار ويلازمونها ﴿هم فيها خالدون﴾ أي دائمون أبدا عن ابن عباس وغيره والذي يليق بمذهبنا من تفسير هذه الآية قول ابن عباس لأن أهل الإيمان لا يدخلون في حكم هذه الآية وقوله ﴿وأحاطت به خطيئته﴾ يقوي ذلك لأن المعنى أن خطاياه قد اشتملت عليه وأحدقت به حتى لا يجد عنها مخلصا ولا مخرجا ولو كان معه شيء من الطاعات لم تكن السيئة محيطة به من كل وجه وقد دل الدليل على بطلان التحابط ولأن قوله تعالى ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون﴾ فيه وعد لأهل التصديق والطاعة بالثواب الدائم فكيف يجتمع الثواب الدائم مع العقاب الدائم ويدل أيضا على أن المراد بالسيئة في الآية الشرك فيبطل الاحتجاج بالآية على دخول العمل في الإيمان على ما ذكره أهل التفسير أن سيئة واحدة لا تحبط جميع الأعمال عند أكثر الخصوم فلا يمكن إذا إجراء الآية على العموم فيجب أن يحمل على أكبر السيئات وأعظم الخطيئات وهو الشرك ليمكن الجمع بين الآيتين.