الآيات 179-181

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴿179﴾ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿180﴾ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴿181﴾

القراءة:

قرأ حمزة يلحدون بفتح الياء والحاء حيث كان ووافقه الكسائي وخلف في النحل والباقون ﴿يلحدون﴾ بضم الياء وكسر الحاء.

الحجة:

قال أبو الحسن لحدوا لحد لغتان وألحد في الكلام أكثر قال الشاعر:

ليس الإمام بالشحيح الملحد وفي القرآن ومن يرد فيه بإلحاد.

اللغة:

الذرء والإنشاء والإحداث والخلق نظائر قال علي بن عيسى الاسم كلمة تدل على المعنى دلالة الإشارة والفعل كلمة تدل على المعنى دلالة الإفادة والصفة كلمة مأخوذة للمذكور من أصل من الأصول لتجري عليه تابعة له والإلحاد العدول عن الاستقامة والانحراف عنها ومنه اللحد الذي يحفر في جانب القبر خلاف الضريح الذي يحفر في وسطه وروي أبو عبيدة عن الأحمر لحدت جزت وملت وألحدت ماريت وجادلت أبو عبيدة لحدت للميت وألحدت بمعنى واحد.

الإعراب:

اللام في قوله ﴿لجهنم﴾ لام العاقبة كما في قوله فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وإنما التقطوه ليكون لهم قرة عين كما قالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك ومثله قول الشاعر:

وأم سماك فلا تجزعي

فللموت ما تلد الوالدة وقول الآخر:

وللموت تغذو الوالدات سخالها

كما لخراب الدهر تبنى المساكن وقول الآخر:

أموالنا لذوي الميراث نجمعها

ودورنا لخراب الدهر نبنيها وقول الآخر:

يا أم وجرة بعد الوجد واعترفي

فكل والدة للموت ما تلد

قال علي بن عيسى هي لام الإضافة تذكر مرة على معنى العلة ومرة على معنى شبه العلة.

المعنى:

لما بين سبحانه أمر الكفار وضرب لهم الأمثال عقبه ببيان حالهم في المصير والمال فقال ﴿ولقد ذرأنا﴾ أي خلقنا ﴿لجهنم كثيرا من الجن والإنس﴾ يعني خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى جهنم بكفرهم وإنكارهم وسوء اختيارهم ويدل على هذا المعنى قوله سبحانه وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فأخبر أنه خلقهم للعبادة فلا يجوز أن يكون خلقهم للنار وقوله وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولقد صرفناه بينهم ليذكروا في نظائر لذلك لا تحصى والمراد في الآية كل من علم الله تعالى أنه لا يؤمن ويصير إلى النار ﴿لهم قلوب لا يفقهون بها﴾ الحق لأنهم لا يتدبرون أدلة الله تعالى وبيناته ﴿ولهم أعين لا يبصرون بها﴾ الرشد ﴿ولهم آذان لا يسمعون بها﴾ الوعظ لأنهم يعرضون عن جميع ذلك إعراض من ليست له آلة الإدراك وقد مر تفسيره في سورة البقرة عند قوله صم بكم عمي الآية ﴿أولئك كالأنعام﴾ أي هؤلاء الذين لا يتدبرون آيات الله ولا يستدلون بها على وحدانيته وصدق أنبيائه أشباه الأنعام والبهائم التي لا تفقه ولا تعلم ﴿بل هم أضل﴾ من البهائم فإنها إذا زجرت انزجرت وإذا أرشدت إلى طريق اهتدت وهؤلاء لكفرهم وعتوهم لا يهتدون إلى شيء من الخيرات مع ما ركب الله فيهم من العقول الدالة على الرشاد الصارفة عن الفساد ولم يذكر بل هاهنا للرجوع عن الأول ولكن للإضراب عنه مع بقائه وقيل إنما قال بل هم أضل من الأنعام لأن الأنعام لم تعط آلة المعرفة والتمييز فلا تلحقها المذمة وهؤلاء أعطوا آلة المعرفة والتمييز فضيعوها ولم ينتفعوا بها ولأن الأنعام وإن لم تكن مطيعة لم تكن عاصية وهؤلاء عصاة فهم أسوأ حالا منها ﴿أولئك هم الغافلون﴾ عن آياتي وحججي وعن الاستدلال والاعتبار بتدبرها والتفكر فيها دون البهائم التي هي مسخرة مصرفة وقيل الغافلون عما يحل بهم في الآخرة من العذاب ﴿ولله الأسماء الحسنى﴾ أخبر سبحانه أن له الأسماء الحسنى لحسن معانيها مثل الجواد والرحيم والرازق والكريم ويقال إن جميع أسمائه داخلة فيه وإنها كلها حسنة متضمنة لمعان حسنة فمنها ما يرجع إلى صفات ذاته كالعالم والقادر والحي والآلة والقديم والسميع والبصير ومنها ما هي صفات فعله كالخالق والرزاق والمبدع والمحيي والمميت ومنها ما يفيد التنزيه ونفي صفات النقص عنه كالغني والواحد والقدوس ونحو ذلك وقيل المراد بالحسنى ما مالت إليه النفوس من ذكر العفو والرحمة دون السخط والنقمة ﴿فادعوه بها﴾ أي بهذه الأسماء الحسنى ودعاؤه بها أن يقال يا الله يا رحمن يا رحيم يا خالق السموات والأرض وكل اسم لله سبحانه فهو صفة مفيدة لأن اللقب لا يجوز عليه فإنه بمنزلة الإشارة إلى الحاضر وقد ورد في الحديث أن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر أورده مسلم في الصحيح ﴿وذروا الذين يلحدون في أسمائه﴾ أي دعوا الذين يعدلون بأسماء الله تعالى عما هي عليه فيسمون بها أصنامهم ويغيرونها بالزيادة والنقصان فاشتقوا اللات من الله والعزى من العزيز ومنات من المنان عن ابن عباس ومجاهد وقيل إن معنى يلحدون في أسمائه يصفونه بما لا يليق به ويسمونه بما لا يجوز تسميته به وهذا الوجه أعم فائدة ويدخل فيه قول الجبائي أراد تسميتهم المسيح بأنه ابن الله وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز أن يسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه ﴿سيجزون ما كانوا يعملون﴾ في الآخرة وقيل في الدنيا والآخرة ﴿وممن خلقنا أمة يهدون بالحق﴾ أخبر سبحانه من جملة من خلقه جماعة وعصبة يدعون الناس إلى توحيد الله تعالى وإلى دينه وهو الحق يرشدونهم إليه ﴿وبه يعدلون﴾ أي وبالحق يحكمون وروى ابن جريج عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال هي لأمتي بالحق يأخذون وبالحق يعطون وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ وقال الربيع بن أنس قرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية فقال إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم وروى العياشي بإسناده عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال والذي نفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة ﴿وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ فهذه التي تنجو وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا نحن هم.

النظم:

قيل في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان (أحدهما) أنه لما بين في الآية المتقدمة حال قوم من الكفار يغفلون عن الحق بين في هذه الآية أن من جملة ما خلق من يهدي إلى دينه بالحق ويحكم بالعدل والآخر أنه يتصل بقوله ﴿ذرأنا﴾ فكأنه قال خلقنا قوما صفتهم كذا وكذا وقوما صفتهم كذا.