الآيات 163-164

واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿163﴾ وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿164﴾

القراءة:

قرأ حفص ﴿معذرة﴾ بالنصب والباقون بالرفع وروي في الشواذ عن شهر ابن حوشب وأبي نهيك يعدون عن الحسن يسبتون بضم الياء.

الحجة:

من قرأ معذرة بالرفع فتقديره موعظتنا معذرة فيكون خبر مبتدإ محذوف ومن قرأ بالنصب فعلى معنى نعتذر معذرة وقال سيبويه لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا لنصب إلى معنى نعتذر ومن قرأ يعدون أراد يعتدون فأسكن التاء ليدغمها في الدال ونقل فتحها إلى العين فصار يعدون ومن قرأ يسبتون فمعناه يدخلون في السبت كما يقال أشهرنا دخلنا في الشهر وأجمعنا دخلنا في الجمعة ومن فتح الياء أراد يفعلون السبت ويقيمون عمل يوم السبت فالسبت على هذا فعلهم يقول سبت يسبت سبتا إذا عظم يوم السبت.

اللغة:

حيتان جمع حوت وأكثر ما يسمي العرب السمك الحيتان والنينان وعدا فلان يعدو عدوانا وعداء وعدوا وعدوا ظلم وأصله مجاوزة الحد والشرع أصله الظهور ومنه الشرعة والشريعة وهو الظاهر المستقيم من المذاهب ومنه المشرعة والشريعة لكونهما في مكان ظاهر من النهر ومنه شراع السفينة لظهورها والمعذرة والعذرى والعذرة واحد مصدر عذرته أعذره والمعذر الذي له عذر صحيح والمعذر بالتشديد الذي لا عذر له وهو يريك أنه معذور وهو المقصر والمعتذر يقال لمن له عذر ولمن لا عذر له وقولهم من يعذرني معناه من يقوم بعذري.

الإعراب:

﴿إذ يعدون﴾ موضع إذ نصب على معنى سلهم عن عدوهم أي عن وقت ذلك ﴿إذ تأتيهم﴾ في موضع نصب أيضا يعدون المعنى سلهم إذ عدوا في وقت الإتيان شرعا نصب على الحال من الحيتان وموضع الكاف من ﴿كذلك نبلوهم﴾ نصب بنبلوهم ويحتمل أن يكون على ﴿ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك﴾ أي لا تأتيهم شرعا فيكون الكاف في موضع نصب على الحال من تأتيهم ويكون نبلوهم مستأنفا والقول الأول أجود و﴿لم تعظون﴾ أصله لما ولكن هذه الألف تحذف مع حرف الجر يقول مم وفيم وعلام وعم.

المعنى:

ثم ابتدأ سبحانه بخبر آخر من أخبار بني إسرائيل فقال مخاطبا لنبيه ﴿وسألهم﴾ أي استخبرهم يا محمد وهو سؤال توبيخ وتقريع لا سؤال استفهام ﴿عن القرية التي كانت حاضرة البحر﴾ أي مجاورة البحر وقريبة من البحر على شاطىء البحر وهي إيلة عن ابن عباس وقيل هي مدين عنه أيضا وقيل طبرية عن الزهري ﴿إذ يعدون في السبت﴾ أي يظلمون فيه بصيد السمك ويتجاوزون الحد في أمر السبت ﴿إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا﴾ أي ظاهرة على وجه الماء عن ابن عباس وقيل متتابعة عن الضحاك وقيل رافعة رءوسها قال الحسن كانت تشرع إلى أبوابها مثل الكباش البيض لأنها كانت آمنة يومئذ ﴿ويوم لا يسبتون لا تأتيهم﴾ أي ويوم لا يكون السبت كانت تغوص في الماء واختلف في أنهم كيف اصطادوا فقيل إنهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الأحد وهذا تسبب محظورة وفي رواية عكرمة عن ابن عباس اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها ولا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الأحد وقيل إنهم اصطادوها وتناولوها باليد في يوم السبت عن الحسن ﴿كذلك نبلوهم﴾ أي مثل ذلك الاختبار الشديد نختبرهم ﴿بما كانوا يفسقون﴾ أي بفسقهم وعصيانهم وعلى المعنى الآخر لا تأتيهم الحيتان مثل ذلك الإتيان الذي كان منها يوم السبت ثم استأنف فقال نبلوهم ﴿وإذ قالت أمة﴾ أي جماعة ﴿منهم﴾ أي من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا وكانوا ثلاثة فرق فرقة قانصة وفرقة ساكتة واعظة فقال الساكتون للواعظين والناهين ﴿لم تعظون قوما الله مهلكهم﴾ أي يهلكهم الله ولم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم ولكن لأياسهم عن أن يقبل أولئك القوم الوعظ فإن الأمر بالمعروف إنما يجب عند عدم الإياس من القبول عن الجبائي ومعناه ما ينفع الوعظ ممن لا يقبل والله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم ﴿أو معذبهم عذابا شديدا﴾ في الآخرة ﴿قالوا﴾ أي قال الواعظون في جوابهم ﴿معذرة إلى ربكم﴾ معناه موعظتنا إياهم معذرة إلى الله وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر لئلا يقول لنا لم لم تعظوهم ﴿ولعلهم﴾ بالوعظ ﴿يتقون﴾ ويرجعون.