الآيـة 75

أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿75﴾

اللغة:

الطمع تعليق النفس بما تظنه من النفع ونظيره الأمل والرجاء ونقيضه اليأس والفريق جمع كالطائفة لا واحد له من لفظه وهو فعيل من التفرق كما سميت الجماعة بالحزب من التحزب قال الأعشى بن ثعلبة:

أجدوا فلما خفت أن يتفرقوا

فريقين منهم مصعد ومصوب

والتحريف في الكلام تغيير الكلمة عن معناها.

الإعراب:

﴿أفتطمعون﴾ ألف استخبار تجري في كثير من المواضع مجرى الإنكار إذا لم يكن معها نفي فإذا جاءت مع النفي فإنكار النفي تثبيت ويكون بمعنى الاستدعاء إلى الإقرار نحو أ ليس الله بكاف عبده فجوابه بلى كقوله ﴿ألم يأتكم نذير قالوا بلى﴾ وجواب أ فتطمعون لا على ما ذكرناه.

المعنى:

هذا خطاب لأمة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول ﴿أفتطمعون﴾ أيها المؤمنون ﴿أن يؤمنوا لكم﴾ من طريق النظر والاعتبار والانقياد للحق بالاختيار ﴿وقد كان فريق منهم﴾ أي ممن هو في مثل حالهم من أسلافهم ﴿يسمعون كلام الله﴾ ويعلمون أنه حق ويعاندون فيحرفونه ويتأولونه على غير تأويله وقيل إنهم علماء اليهود الذين يحرفون التوراة فيجعلون الحلال حراما والحرام حلالا اتباعا لأهوائهم وإعانة لمن يرشوهم عن مجاهد والسدي وقيل إنهم السبعون رجلا الذين اختارهم موسى من قومه فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم حين رجعوا إليهم عن ابن عباس والربيع فيكون على هذا كلام الله معناه كلام الله لموسى وقت المناجاة وقيل المراد بكلام الله صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في التوراة وقوله ﴿ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه﴾ قيل فيه وجهان (أحدهما) أن يكون معناه أنهم غيروه من بعد ما فهموه فأنكروه عنادا ﴿وهم يعلمون﴾ أنهم يحرفونه أي يغيرونه (والثاني) أن معناه من بعد ما تحققوه وهم يعلمون ما عليهم في تحريفه من العقاب والأول أليق بمذهبنا في الموافاة وإنما أراد الله سبحانه بالآية أن هؤلاء اليهود الذين كانوا على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن لم يؤمنوا به وكذبوه وجحدوا نبوته فلهم ب آبائهم وأسلافهم الذين كانوا في زمان موسى (عليه السلام) أسوة إذا جروا على طريقتهم في الجحد والعناد وهؤلاء الذين عاندوا وحرفوا كانوا معدودين يجوز على مثلهم التواطؤ والاتفاق في كتمان الحق وإن كان يمتنع ذلك على الجمع الكثير والجم الغفير لأمر يرجع إلى اختلاف الدواعي ويبطل قول من قال إنهم كانوا كلهم عارفين معاندين لأن الله سبحانه إنما نسب فريقا منهم إلى المعاندة وإن كانوا بأجمعهم كافرين وفي هذه الآية دلالة على عظم الذنب في تحريف الشرع وهو عام في إظهار البدع في الفتاوى والقضايا وجميع أمور الدين.