الآيـة 57

وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿57﴾

اللغة:

الظلة الغمامة والسترة نظائر يقال ظللت تظليلا والظل ضد الضح ونقيضه وظل الشجرة سترها ولا أزال الله عنا ظل فلان أي ستره ويقال لسواد الليل ظل لأنه يستر الأشياء قال الله تعالى أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل والغمام السحاب والقطعة منها غمامة وإنما سمي غماما لأنه يغم السماء أي يسترها وكل ما يستر شيئا فقد غمه وقيل هو ماء أبيض من السحاب والغمة الغطاء على القلب من الغم وفلان في غمة من أمره إذا لم يهتد له والمن الإحسان إلى من لا يستثيبه والاسم المنة والله تعالى هو المنان علينا والرحيم بنا والمن قطع الخير ومنه قوله أجر غير ممنون أي غير مقطوع والمنة قوة القلب وفلان ضعيف المنة وأصل الباب الإحسان فالمن الذي كان يسقط على بني إسرائيل هو مما من الله به عليهم أي أحسن به إليهم والسلوى طائر كالسمانى قال الأخفش هو للواحد والجمع كقولهم دفلى وقال الخليل واحده سلواة قال:

كما انتفض السلواة من بلل القطر

قال الزجاج:

غلط خالد بن زهير في قوله:

وقاسمها بالله جهدا لأنتم

ألذ من السلوى إذا ما نشورها

فظن أن السلوى العسل وإنما هو طائر قال أبو علي الفارسي وقرىء على الزجاج في مصنف أبي عبيد أنه العسل قال والذي عندي فيه أن السلوى كأنه ما يسلي عن غيره لفضيلة فيه من فرط طيبه أو قلة معاناة وعلاج في اقتنائه فالعسل لا يمتنع أن يسمى سلوى لجمعه الأمرين كما سمي الطائر الذي كان يسقط مع المن به ويقال سلا فلان عن فلان يسلو سلوا إذا تسلى عنه وفلان في سلوة من العيش إذا كان في رغد يسليه الهم والسلوان ماء من شربه ذهب همه فيما زعموا قال:

لو أشرب السلوان ما سليت.

الإعراب:

موضع ﴿كلوا﴾ نصب بمحذوف كأنه قال وقلنا لهم كلوا وموضع ﴿السلوى﴾ نصب لأنه معطوف على المن وقوله ﴿وما ظلمونا﴾ إنما يتصل بما قبله أيضا بتقدير محذوف كأنه قال فخالفوا ما أمروا به وكفروا هذه النعمة وما ظلمونا.

المعنى:

﴿وظللنا عليكم الغمام﴾ أي جعلنا لكم الغمام ظلة وسترة تقيكم حر الشمس في التيه عن جماعة المفسرين ﴿وأنزلنا عليكم المن﴾ فيه وجوه (أحدها) أنه المن الذي يعرفه الناس يسقط على الشجر عن ابن عباس و(ثانيها) أنه شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد والعسل عن مجاهد و(ثالثها) أنه الخبز المرقق عن وهب و(رابعها) أنه جميع النعم التي أتتهم مما من الله به عليهم مما لا تعب فيه ولا نصب وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ﴿والسلوى﴾ قيل هو السمانى وقيل هو طائر أبيض يشبه السمانى عن ابن عباس وقوله ﴿كلوا من طيبات ما رزقناكم﴾ معناه قلنا لهم كلوا من الشيء اللذيذ وقيل المباح الحلال وقيل المباح الذي يستلذ أكله الذي رزقناكم أي أعطيناكم وجعلناه رزقا لكم وقوله ﴿وما ظلمونا﴾ أي فكفروا هذه النعمة وما نقصونا بكفرانهم أنعمنا ﴿ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ أي يسمون وقيل معناه وما ضرونا ولكن كانوا أنفسهم يضرون وهذا يدل على أن الله تعالى لا ينفعه طاعة من أطاعه ولا يضره معصية من عصاه وإنما تعود منفعة الطاعة إلى المطيع ومضرة المعصية إلى العاصي.

القصة:

وكان سبب إنزال المن والسلوى عليهم أنه لما ابتلاهم الله بالتيه إذ قالوا لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون حين أمرهم بالمسير إلى بيت المقدس وحرب العمالقة بقوله ادخلوا الأرض المقدسة فوقعوا في التيه فصاروا كلما ساروا تاهوا في قدر خمسة فراسخ أو ستة فكلما أصبحوا ساروا غادين فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه كذلك حتى تمت المدة وبقوا فيها أربعين سنة وفي التيه توفي موسى وهارون ثم خرج يوشع بن نون وقيل كان الله تعالى يرد الجانب الذي انتهوا إليه من الأرض إلى الجانب الذي ساروا منه فكانوا يضلون عن الطريق لأنهم كانوا خلقا عظيما فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطريق في هذه المدة المديدة في هذا المقدار من الأرض ولما حصلوا في التيه ندموا على ما فعلوا فألطف الله لهم بالغمام لما شكوا حر الشمس وأنزل عليهم المن والسلوى فكان يسقط عليهم المن من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليومهم وقال الصادق (عليه السلام) كان ينزل المن على بني إسرائيل من بعد الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى بعد طلوع الشمس قال ابن جرير وكان الرجل منهم إذا أخذ من المن والسلوى زيادة على طعام يوم واحد فسد إلا يوم الجمعة فإنهم إذا أخذوا طعام يومين لم يفسد وكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليوم الجمعة والسبت لأنه كان لا يأتيهم يوم السبت وكانوا يخبزونه مثل القرصة ويوجد له طعم كالشهد المعجون بالسمن وكان الله تعالى يبعث لهم السحاب بالنهار فيدفع عنهم حر الشمس وكان ينزل عليهم في الليل من السماء عمود من نور يضيء لهم مكان السراج وإذا ولد فيهم مولود يكون عليه ثوب يطول بطوله كالجلد.