الآيـة 51
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ﴿51﴾
القراءة:
قرأ أهل البصرة وأبو جعفر هاهنا وعدنا بغير ألف وفي الأعراف وطه وقرأ الباقون ﴿واعدنا﴾ بالألف وقرأ ابن كثير وحفص والبرجمي ورويس اتخذتم وأخذتم وما جاء منه بإظهار الذال ووافقهم الأعشى فيما كان على افتعلت والباقون يدغمون.
الحجة:
حجة من قرأ بإثبات الألف أنه قال لا يخلو أن يكون قد كان موسى وعد أو لم يكن فإن كان منه وعد فلا إشكال في وجوب القراءة بواعدنا وإن لم يكن منه وعد فإن ما كان منه من قبول الوعد والتحري لإنجازه والوفاء به يقوم مقام الوعد والقراءة بواعدنا دلالة من الله على وعده وقبول موسى ولأنه إذا حسن في مثل قوله بما أخلفوا الله ما وعدوه الإخبار بالوعد منهم لله تعالى كان هنا الاختيار ﴿واعدنا﴾ ومن قرأ وعدنا بغير ألف وهو أشد مطابقة للمعنى إذ كان القبول ليس بوعد في الحقيقة إذ الوعد إنما هو إخبار الموعود بما يفعل به من خير وعلى هذا فيكون قوله بما أخلفوا الله ما وعدوه مجازا حقيقته بما أخبروا أنهم فاعلوه وقال بعضهم أن المواعدة في الحقيقة لا تكون إلا بين البشر والله تعالى هو المتفرد بالوعد والوعيد كما قال وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم والقراءتان جميعا قويتان وحجة من أدغم الذال في التاء من ﴿اتخذتم﴾ أن مخرج الذال قريب من مخرج التاء وحجة من لم يدغم أن مخرجيهما متغايران.
اللغة:
الوعد والموعد والوعيد والعدة والموعدة مصادر وعدته أعده ووعدت يتعدى إلى مفعولين يجوز فيه الاقتصار على أحدهما كأعطيت قال ﴿وواعدناكم جانب الطور الأيمن﴾ فجانب مفعول ثان والعدة والوعد قد يكونان اسمين أيضا والوعد في الخير والوعيد في الشر ويجمع العدة على العدات ولا يجمع الوعد والموعد قد يكون موضعا ووقتا ومصدرا والميعاد لا يكون إلا وقتا أو موضعا وقد يقال وعدته في الشر كقوله تعالى ﴿النار وعدها الله الذين كفروا﴾ وأوعدته لا يكون إلا في الشر والمكاره ويقال أوعدته بالشر ولا يقال أوعدته الشر وحقيقة الوعد هو الخبر عن خير يناله المخبر في المستقبل أو شر وموسى اسم مركب من اسمين بالقبطية فمو هو الماء وسي الشجر وسمي بذلك لأن التابوت الذي كان فيه موسى وجد عند الماء والشجر وجده جاري آسية امرأة فرعون وقد خرجن ليغتسلن بالمكان الذي وجد فيه عن السدي وهو موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق بن يسار وإنما قال ﴿أربعين ليلة﴾ ولم يقل أربعين يوما لتضمن الليالي الأيام على قول المبرد عني بذلك أنك إذا ذكرت الليالي دخل فيها الأيام وإذا ذكرت الأيام لا يدخل فيها الليالي والصحيح أن العرب كانت تراعي في حسابها الشهور والأيام والأهلة فأول الشهر الليالي فلذلك أرخت بالليالي وغلبتها على الأيام واكتفت بذكر الليالي عن الأيام فقالت لعشر خلون ولخمس بقين جريا على الليالي والليلة الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني واليوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس وليلة ليلاء إذا اشتدت ظلمتها ولييلة تصغير ليلة أخرجوا الياء الأخيرة مخرجها في الليالي وقال بعضهم أصل ليلة ليلاة فقصر واتخذ افتعل وفعلت فيه تخذت قال:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها
نسيفا كأفحوص القطاة المطرق
قال أبو علي وليس اتخذت من أخذت لأن الهمزة لا تبدل من التاء ولا تبدل منها التاء والعجل البقرة الصغيرة يقال عجل وعجول وهو من العجلة لأن قصر المدة كالعجل في الشيء وقال بعضهم إنما سمي عجلا لأنهم عجلوا فاتخذوه إلها قبل أن يأتيهم موسى.
الإعراب:
قوله ﴿وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة﴾ لا يخلو تعلق الأربعين بالوعد من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان فلا يجوز أن يكون ظرفا لأن الوعد ليس فيها كلها فيكون جواب كم ولا في بعضها فيكون جوابا لمتى وإنما الموعدة تقضي الأربعين فإذا لم يكن ظرفا كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني والتقدير وعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة أو تتمة أربعين ليلة فحذف المضاف كما تقول اليوم خمسة عشر من الشهر أي تمام خمسة عشر فأما انتصاب أربعين في قوله ﴿فتم ميقات ربه أربعين ليلة﴾ فالميقات هو الأربعون وإنما هو ميقات وموعد فيكون كقولك تم القوم عشرين رجلا والمعنى تم القوم معدودين هذا العدد وتم الميقات معدودا هذا العدد وقد جاء الميقات في موضع الميعاد كما جاء الوقت موضع الوعد في قوله ﴿إلى يوم الوقت المعلوم﴾ وفي موضع آخر واليوم الموعود ويبين ذلك قوله ﴿فتم ميقات ربه أربعين ليلة﴾ وفي الآية ﴿وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة﴾ وليلة تنتصب على التبيين والتمييز للعدد والأصل في بيان العدد أن يبين بذكر المعدود وإنما انتصب بالاسم التام الذي هو أربعون وهو مشبه بالكلام التام الذي ينتصب بعده ما يكون فضلة عنه ومعنى تمام الاسم هاهنا هو تركيب هذا النون الذي تتممه معه فأشبه الجملة المركبة من فعل وفاعل من جهة أنه متمم بشيء آخر وبينهما شبه آخر وهو أن في الجملة التي من فعل وفاعل معنى يقتضي المفعول وهو ذكر الفعل وفي العدد إبهام يقتضي التفسير والبيان ليفيد أي نوع من الأنواع هو فينصب على هذا المعنى ولذلك قال سيبويه إن في هذا الضرب وهو تمام الاسم معنى يحجز بين الاسم الأول وما يجيء بعد التمام فالنون في أربعين هو بمنزلة الفاعل الذي يحجز من أن يسند الفعل إلى المفعول فيسند إلى الفاعل وينتصب المفعول لذلك والنون يتم الاسم الأول فينتصب الاسم الذي بعده وأما قوله ﴿اتخذتم﴾ فإن اتخذت على ضربين أحدهما يتعدى إلى مفعول واحد كقوله ﴿واتخذوا من دون الله آلهة﴾ وقوله ﴿أم اتخذ مما يخلق بنات﴾ والآخر يتعدى إلى مفعولين كقوله تعالى ﴿اتخذوا أيمانهم جنة﴾ فاتخذتموهم سخريا ﴿لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء﴾ فقوله ﴿ثم اتخذتم العجل من بعده﴾ تقديره واتخذتم العجل إلها فحذف المفعول الثاني لأن من صاغ عجلا أو عمله لا يستحق الوعيد والغضب من الله تعالى.
المعنى:
﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ واعدنا موسى﴾ أن نؤتيه الألواح فيها التوراة والبيان والشفاء على رأس ﴿أربعين ليلة﴾ أو عند انقضاء أربعين ليلة أو عند تمام أربعين ليلة وإنما قلنا أن قوله اذكروا مضمر فيه لأن الله تعالى قال قبل هذا ﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم﴾ فإذ هاهنا معطوفة على الآيات المتقدمة وهذه الأربعون ليلة هي التي ذكرها الله في سورة الأعراف فقال ﴿وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر﴾ وهي ذو القعدة وعشر من ذي الحجة قال المفسرون لما عاد بنو إسرائيل إلى مصر بعد إنجائهم من البحر وهلاك فرعون وقومه وعدهم الله إنزال التوراة والشرائع فخلف موسى أصحابه واستخلف هارون عليهم فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليه التوراة في الألواح وقوله ﴿ثم اتخذتم العجل﴾ أي اتخذتموه إلها لأن بنفس فعلهم لصورة العجل لا يكونون ظالمين لأن فعل ذلك ليس بمحظور وإنما هو مكروه وأما الخبر الذي روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لعن المصورين فالمراد به من شبه الله بخلقه أو اعتقد فيه أنه صورة وقوله ﴿من بعده﴾ أي من بعد غيبة موسى وخروجه وقيل من بعد وعد الله إياكم بالتوراة وقيل من بعد غرق فرعون وما رأيتم من الآيات والكل محتمل ﴿أنتم ظالمون﴾ أي مضرون بأنفسكم بما استحققتم من العقاب على اتخاذكم العجل إلها.
القصة:
روي عن ابن عباس قال كان السامري رجلا من أهل باجرما قيل كان اسمنسيا وقال ابن عباس اسمه موسى بن ظفر وكان من قوم يعبدون البقر وكان حب عبادة البقر في نفسه وقد كان أظهر الإسلام في بني إسرائيل فلما قصد موسى إلى ربه وخلف هارون في بني إسرائيل قال هارون لقومه قد حملتم أوزارا من زينة القوم يعني آل فرعون فتطهروا منها فإنها نجس يعني أنهم استعاروا من القبط حليا واستبدوا بها فقال هارون طهروا أنفسكم منها فإنها نجسة وأوقد لهم نارا فقال اقذفوا ما كان معكم فيها فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة والحلي فيقذفون به فيها قال وكان السامري رأى أثر فرس جبرائيل (عليه السلام) فأخذ ترابا من أثر حافره ثم أقبل إلى النار فقال لهارون يا نبي الله أ ألقي ما في يدي قال نعم وهو لا يدري ما في يده ويظن أنه مما يجيء به غيره من الحلي والأمتعة فقذف فيها وقال كن عجلا جسدا له خوار فكان البلاء والفتنة فقال هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط قال ابن عباس فكان البلاء والفتنة ولم يزد على هذا وقال الحسن صار العجل لحما ودما وقال غيره لا يجوز ذلك لأنه من معجزات الأنبياء ومن وافق الحسن قال إن القبضة من أثر الملك كان الله قد أجرى العادة بأنها إذا طرحت على أي صورة كانت حييت فليس ذلك بمعجزة إذ سبيل السامري فيه سبيل غيره ومن لم يجز انقلابه حيا تأول الخوار على أن السامري صاغ عجلا وجعل فيه خروقا يدخلها الريح فيخرج منها صوت كالخوار ودعاهم إلى عبادته فأجابوه وعبدوه عن أبي علي الجبائي.