الآيـة 46

الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿46﴾

اللغة:

الظن المذكور في الآية بمعنى العلم واليقين كما قال دريد بن الصمة:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج

سراتهم في الفارسي المسرد

وقال أبو داود:

رب هم فرجعته بعزيم

وغيوب كشفتها بظنون

وقال المبرد ليس من كلام العرب أظن عند زيد مالا بمعنى أعلم لأن العلم المشاهد لا يناسب باب الظن وقد أفصح عن ذلك أوس بن حجر في قوله:

الألمعي الذي يظن بك الظن

كان قد رأى وقد سمعا

وقال آخر:

فإلا يأتكم خبر يقين

فإن الظن ينقص أو يزيد

وقال بعض المحققين أصل الظن ما يجول في النفس من الخاطر الذي يغلب على القلب كأنه حديث النفس بالشيء ويؤول جميع ما في القرآن من الظن بمعنى العلم على هذا والظن والشك والتجويز نظائر إلا أن الظن فيه قوة على أحد الأمرين دون الآخر وحده ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه أن يكون على خلافه فبالتجويز ينفصل من العلم وبالقوة ينفصل من الشك والتقليد وغير ذلك وهو من جنس الاعتقاد عند أبي هاشم وجنس برأسه سوى الاعتقاد عند أبي علي والقاضي وإليه ذهب المرتضى قدس الله روحه وضد الظن اليقين والظنين المتهم ومصدره الظنة والظنون الرجل السيء الظن بكل أحد والظنون البئر التي يظن أن بها ماء ولا يكون ومظنة الرجل حيث يألفه ويكون فيه وأصل الملاقاة الملاصقة من قولك التقى الخطان إذا تلاصقا ثم كثر حتى قيل التقى الفارسان إذا تحاذيا ولم يتلاصقا ويقال رجع الرجل ورجعته أنا لازم ومتعد وأصل الرجوع العود إلى الحال الأولى.

الإعراب:

﴿الذين يظنون﴾ في موضع الجر صفة للخاشعين وأنهم بفتح الألف لا يجوز غيره لأن الظن فعل واقع على معنى أنه متعد يتعلق بالغير فما يليه يكون مفعولا له وأن المفتوحة الهمزة يكون مع الاسم والخبر في تأويل اسم مفرد وهاهنا قد سد مسد مفعولي يظن ويكون المفعول الثاني مستغنى عنه مختزلا من الكلام غير مضمر كما أن الفاعل في أقائم الزيدان سد مسد الخبر لطول الكلام والاستغناء به عنه وهذا القول هو المختار عند أبي علي وفيه قول آخر وهو أن مع الاسم والخبر في موضع المفعول الأول و المفعول الثاني مضمر محذوف لعلم المخاطب به فكأنه قال الذين يظنون ملاقاة ربهم واقعة وحذفت النون من ملاقوا ربهم تخفيفا عند البصريين والمعنى على إثباتها فإن المضاف إليه هنا وإن كان مجرورا في اللفظ فهو منصوب في المعنى فهي إضافة لفظية غير حقيقية ومثله قوله ﴿إنا مرسلوا الناقة﴾ و﴿كل نفس ذائقة الموت﴾ وقال الشاعر:

هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد رب أخا عون بن مخراق

ولو أردت معنى الماضي لتعرف الاسم بالإضافة لم يجز فيه إظهار النون البتة وقوله ﴿وأنهم إليه راجعون﴾ في موضع النصب عطفا على الأول.

المعنى:

لما تقدم ذكر الخاشعين بين صفتهم فقال ﴿الذين يظنون﴾ أي يوقنون ﴿أنهم ملاقوا﴾ ما وعدهم ﴿ربهم﴾ عن الحسن ومجاهد وغيرهما ونظيره قوله ﴿إني ظننت أني ملاق حسابيه﴾ وقيل أنه بمعنى الظن غير اليقين والمعنى أنهم يظنون أنهم ملاقوا ربهم بذنوبهم لشدة إشفاقهم من الإقامة على معصية الله قال الرماني وفيه بعد لكثرة الحذف وقيل الذين يظنون انقضاء آجالهم وسرعة موتهم فيكونون أبدا على حذر ووجل ولا يركنون إلى الدنيا كما يقال لمن مات لقي الله ويدل على أن المراد بقوله ﴿ملاقوا ربهم﴾ ملاقون جزاء ربهم قوله تعالى في صفة المنافقين ﴿فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه﴾ ولا خلاف في أن المنافق لا يجوز أن يرى ربه وكذلك قوله ﴿ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أ ليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾ وجاء في الحديث من حلف على مال امرىء مسلم كاذبا لقي الله وهو عليه غضبان وليس اللقاء من الرؤية في شيء يقال لقاك الله محابك ولا يراد به أن يرى أشخاصا وإنما يراد به لقاء ما يسره وقوله ﴿وأنهم إليه راجعون﴾ يسأل هنا فيقال ما معنى الرجوع في الآية وهم ما كانوا قط في الآخرة فيعودوا إليها وجوابه من وجوه.

(أحدها) أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة عن أبي العالية (وثانيها) أنهم يرجعون بالموت كما كانوا في الحال المتقدمة لأنهم كانوا أمواتا فأحيوا ثم يموتون فيرجعون أمواتا كما كانوا (وثالثها) أنهم يرجعون إلى موضع لا يملك أحد لهم ضرا ولا نفعا غيره تعالى كما كانوا في بدء الخلق لأنهم في أيام حياتهم قد يملك غيرهم الحكم عليهم والتدبير لنفعهم وضرهم يبين ذلك قوله ﴿مالك يوم الدين﴾ وتحقيق معنى الآية أنه يقرون بالنشأة الثانية فجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعا إليه.