الآيـة 45

وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴿45﴾

اللغة:

الصبر منع النفس عن محابها وكفها عن هواها ومنه الصبر على المصيبة لكف الصابر نفسه عن الجزع ومنه جاء في الحديث وهو شهر الصبر لشهر رمضان لأن الصائم يصبر نفسه ويكفها عما يفسد الصيام وقتل فلان صبرا وهو أن ينصب للقتل ويحبس عليه حتى يقتل وكل من حبسته لقتل أو يمين يقال فيه قتل صبر ويمين صبر وصبرته أي حلفته بالله جهد القسم وفي الحديث اقتلوا القاتل واصبروا الصابر وذلك فيمن أمسكه حتى قتله آخر فأمر بقتل القاتل وحبس الممسك والخشوع والخضوع والتذلل والإخبات نظائر وضد الخشوع الاستكبار وخشع الرجل إذا رمى ببصره إلى الأرض واختشع إذا طأطأ رأسه كالمتواضع والخشوع قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والإقرار بالاستخدام والخشوع في الصوت والبصر قال سبحانه خاشعة أبصارهم وخشعت الأصوات أي سكنت وأصل الباء من اللين والسهولة والخاشع والمتواضع والمتذلل والمستكين بمعنى قال الشاعر:

لما أتى خبر الزبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشع.

الإعراب:

قوله ﴿وإنها لكبيرة﴾ اللام تدخل في خبر إن ولا تدخل في خبر أخواتها لأنها لام التأكيد فهي شبيهة بأن في أنها تدخل على المبتدأ وخبره كما تدخل إن وتدخل بمعنى القسم كما تدخل إن تقول والله لتخرجن كما تقول والله إنك خارج فإذا كان بينهما هذه المجانسة فإذا دخلت على أن في نحو لأنها كبيرة كرهوا أن يجمعوا بين حرفين متشاكلين متفقين في المعنى فأخر اللام إلى الخبر ليفصل بين اللام وبين إن بالاسم نحو ﴿إنها لكبيرة﴾ فأما سائر أخوات إن فمتى تركب مع المبتدأ وخبره خرج المبتدأ من صورة المبتدأ ويصير قسما آخر فلا يدخل اللام عليه وإذا لم يدخل عليه كان بالحري أن لا يدخل على خبره.

النزول:

قال الجبائي أنه خطاب للمسلمين دون أهل الكتاب وقال الرماني وغيره هو خطاب لأهل الكتاب ويتناول المؤمنين على وجه التأديب والأولى أن يكون خطابا لجميع المكلفين لفقد الدلالة على التخصيص ويؤيد قول من قال أنه خطاب لأهل الكتاب إن ما قبل الآية وما بعدها خطاب لهم.

المعنى:

من قال أنه خطاب لليهود قال إن حب الرياسة كان يمنع علماء اليهود عن اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنهم خافوا زوال الرياسة إذا اتبعوه فأمرهم الله تعالى فقال : ﴿واستعينوا﴾ على الوفاء بعهدي الذي عاهدتكم في كتابكم عليه من طاعتي واتباع أمري وترك ما نهيتكم عنه والتسليم لأمري واتباع رسولي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالصبر على ما أنتم فيه من ضيق المعاش الذي تأخذون الأموال من عوامكم بسببه وروي عن أئمتنا (عليهم السلام) أن المراد بالصبر الصوم فيكون فائدة الاستعانة به أنه يذهب بالشره وهوى النفس كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): الصوم وجاء وفائدة الاستعانة بالصلاة أنه يتلى فيها ما يرغب فيما عند الله تعالى وبزهد في الدنيا وحب الرياسة كما قال سبحانه ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ ولأنها تتضمن التواضع لله تعالى فيدفع حب الرياسة وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا حزنه أمر استعان بالصلاة والصوم ومن قال أنه خطاب للمسلمين قال المراد به استعينوا على تنجز ما وعدته لمن اتبع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو على مشقة التكليف بالصبر أي بحبس النفس على الطاعات وحبسها عن المعاصي والشهوات وبالصلاة لما فيها من تلاوة القرآن والتدبر لمعانيه والاتعاظ بمواعظه والائتمار بأوامره والانزجار عن نواهيه ووجه آخر أنه ليس في أفعال القلوب أعظم من الصبر ولا في أفعال الجوارح أعظم من الصلاة فأمر بالاستعانة بهما وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل المسجد فيركع ركعتين يدعو الله فيها أما سمعت الله تعالى يقول : ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ وقوله تعالى : ﴿وإنها لكبيرة﴾ قيل في الضمير في وإنها وجوه (أحدهما) أنها عائد إلى الصلاة لأنها الأغلب والأفضل وهو قول أكثر المفسرين وعلى هذا ففي عود الضمير إلى واحد وقد تقدم ذكر اثنين قولان.

(أحدهما) أن المراد به الصلاة دون غيرها وخصها بالذكر لقربها منه ولأنها الأهم والأفضل ولتأكيد حالها وتفخيم شأنها وعموم فرضها (والآخر) أن المراد الاثنان وإن كان اللفظ واحدا ويشهد لذلك قوله تعالى : ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله﴾ ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها﴾ ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾ وقول الشاعر:

إن شرخ الشباب والشعر الأسود

ما لم يعاص كان جنونا

ولم يقل يعاصيا وقول الآخر:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإني وقيارا بها لغريب

ويروى وقيار وقول آخر:

نحن بما عندنا وأنت بما عندك

راض والرأي مختلف وقول الآخر:

أما الوسامة أو حسن النساء فقد

أتيت منه أو أن العقل محتنك

ونحو ذا كثير في الكلام (وثانيها) أنه عائد إلى الاستعانة يعني أن الاستعانة بهما لكبيرة وقوله ﴿استعينوا﴾ يدل على الاستعانة ومثله قول الشاعر:

إذا نهي السفيه جرى إليه

وخالف والسفيه إلى خلاف

أي جرى إلى السفه ودل السفيه على السفه (وثالثها) أن الضمير عائد إلى محذوف وهو الإجابة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الأصم أو مؤاخذة النفس بهما أو تأدية ما تقدم أو تأدية الصلاة وضروب الصبر عن المعاصي أو هذه الخطيئة عن أبي مسلم وهذه الوجوه الأخيرة كلها ضعيفة لأنها لم يجر لها ذكر وقوله ﴿لكبيرة﴾ أي لثقيلة عن الحسن وغيره والأصل فيه أن كل ما يكبر يثقل على الإنسان حمله فيقال لكل ما يصعب على النفس وإن لم يكن من جهة الحمل يكبر عليها تشبيها بذلك وقوله : ﴿إلا على الخاشعين﴾ أي على المتواضعين لله تعالى فإنهم قد وطنوا أنفسهم على فعلها وعودوها إياها فلا يثقل عليهم وأيضا فإن المتواضع لا يبالي بزوال الرياسة إذا حصل له الإيمان وقال مجاهد أراد بالخاشعين المؤمنين فإنهم إذا علموا ما يحصل لهم من الثواب بفعلها لم يثقل عليهم ذلك كما أن الإنسان يتجرع مرارة الدواء لما يرجو به من نيل الشفاء وقال الحسن أراد بالخاشعين الخائفين.