الآيـة 42

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿44﴾

اللغة:

البر في اللغة والإحسان والصلة نظائر يقال فلان بار وصول محسن وضد البر العقوق ورجل بر وبار وبر صدقت وبر حجه وبر لغتان وقولهم فلان لا يعرف الهر من البر قال الأخفش معناه لا يعرف من يهر عليه ممن يبره وقال المازني الهر السنور والبر الفأرة أو دويبة تشبهها والفرق بين البر والخير أن البر يدل على قصد والخير قد يقع على وجه السهو والنسيان والسهو والغفلة نظائر وضد النسيان الذكر وحقيقته غروب الشيء عن النفس بعد حضوره وهو عدم علم ضروري من فعل الله تعالى والسهو قد يقع عما كان الإنسان عالما به وعما لم يكن عالما به وقد يكون النسيان بمعنى الترك نحو قوله ﴿نسوا الله فنسيهم﴾ أي تركوا ذكر الله فخذلهم والتلاوة القراءة تلا يتلو تلاوة أي قرأ وتلا يتلو تلوا أي تبع وأصل التلاوة منه لاتباع بعض الحروف فيها بعضا والفرق بين التلاوة والقراءة أن أصل القراءة جمع الحروف وأصل التلاوة اتباع الحروف والعقل والفهم والمعرفة واللب نظائر ورجل عاقل فهم لبيب ذو معرفة وضد العقل الحمق يقال عقل الشيء عقلا وأعقله غيره وقيل لابن عباس أنى لك هذا العلم قال قلب عقول ولسان سؤول وقال صاحب كتاب العين العقل ضد الجهل يقال عقل الجاهل إذا علم وعقل المريض بعد أن أهجر وعقل المعتوه ونحوه والعقال الرباط يقال عقلت البعير أعقله عقلا إذا شددت يده بالعقال والعقل مجموع علوم لأجلها يمتنع الحي من كثير من المقبحات ويفعل كثيرا من الواجبات وإنما سميت تلك العلوم عقلا لأنها تعقل عن القبيح وقيل لأنها تعقل العلوم المكتسبة ولا يوصف القديم تعالى بأنه عاقل لأنه لا يعقله شيء عن فعل القبيح وإنما لا يختاره لعلمه بقبحه وبأنه غني عنه ولأنه لا يكتسب علما بشيء فيثبت بعض علومه ببعض وقال علي بن عيسى العقل هو العلم الذي يزجر عن قبيح الفعل ومن كان زاجرة أقوى فهو أعقل وقيل العقل معرفة يفصل بها بين القبيح والحسن في الجملة وقيل هو التمييز الذي له فارق الإنسان جميع الحيوان وهذه العبارات قريبة معاني بعضها من بعض والفرق بين العقل و العلم أن العقل قد يكمل لمن فقد بعض العلوم ولا يكمل العلم لمن فقد بعض عقله فإن قيل إذا كان العقل مختلفا فيه فكيف يجوز أن يستشهد به قلنا أن الاختلاف في ماهية العقل لا يوجب الاختلاف في قضاياه أ لا ترى أن الاختلاف في ماهية العقل حتى أن بعضهم قال معرفة وبعضهم قال قوة لا توجب الاختلاف في أن المائة أكثر من واحد وأن الكل أعظم من الجزء وغير ذلك من قضايا العقول.

المعنى:

هذه الآية خطاب لعلماء اليهود وكانوا يقولون لأقربائهم من المسلمين أثبتوا على ما أنتم عليه ولا يؤمنون هم والألف للاستفهام ومعناه التوبيخ والمراد بالبر الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر الناس بالإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وترك أنفسهم عن ذلك قال أبو مسلم كانوا يأمرون العرب بالإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا بعث فلما بعث كفروا به وروي عن ابن عباس أن المراد أنهم كانوا يأمرون أتباعهم بالتمسك بالتوراة وتركوا هم التمسك به لأن جحدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصفته فيه ترك للتمسك به وعن قتادة كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وهم يخالفونه وروى أنس بن مالك قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال هؤلاء خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وقال بعضهم أ تأمرون الناس بالصدقة وتتركونها أنتم وإذا أتتكم الضعفاء بالصدقة لتفرقوها على المساكين خنتم فيها وقوله ﴿وأنتم تتلون الكتاب﴾ معناه وأنتم تقرأون التوراة وفيها صفته ونعته عن ابن عباس وقوله ﴿أفلا تعقلون﴾ أفلا تفقهون أن ما تفعلونه قبيح في العقول وعن أبي مسلم أن معناه هذا ليس بفعل من يعقل وقيل معناه أ فلا تعلمون أن الله يعذبكم ويعاقبكم على ذلك وقيل أ فلا تعلمون أن ما في التوراة حق فتصدقوا محمدا وتتبعوه فإن قيل إن كان فعل البر واجبا والأمر به واجبا فلما ذا وبخهم الله تعالى على الأمر بالبر قلنا لم يوبخهم الله على الأمر بالبر وإنما وبخهم على ترك فعل البر المضموم إلى الأمر بالبر لأن ترك البر ممن يأمر به أقبح من تركه ممن لا يأمر به فهو كقول الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

ومعلوم أنه لم يرد به النهي عن الخلق المذموم وإنما أراد النهي عن إتيان مثله.