الآيـة 41

وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴿41﴾

اللغة:

قوله ﴿أول كافر﴾ قال الزجاج يعني أول الكافرين وفيه قولان قال الأخفش معناه أول من كفر به وقال غيره من البصريين معناه أول فريق كافر به أي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقال وكلا القولين صواب حسن ونظير قوله ﴿أول كافر به﴾ قال الشاعر:

وإذا هم طعموا فالأم طاعم

وإذا هم جاعوا فشر جياع

والثمن والعوض والبدل نظائر وبينها فروق فالثمن هو البدل في البيع من العين أو الورق وإذا استعمل في غيرهما كان مشبها بهما ومجازا والعوض هو البدل الذي ينتفع به كائنا ما كان والبدل هو الشيء الذي يجعل مكان غيره وثوب ثمين كثير الثمن والثمين الثمن والفرق بين الثمن والقيمة أن الثمن قد يكون وفقا وقد يكون بخسا وقد يكون زائدا والقيمة لا تكون إلا مساوية المقدار للثمن من غير نقصان ولا زيادة.

الإعراب:

مصدقا نصب لأنه حال من الهاء المحذوفة من أنزلت كأنه قال أنزلته مصدقا ويصلح أن ينتصب ب آمنوا كأنه قال آمنوا بالقرآن مصدقا ومعكم صلة لما والعامل فيه الاستقرار أي الذي استقر معكم والهاء في به عائد إلى ما في قوله ﴿بما أنزلت﴾ إلى ما في قوله ﴿لما معكم﴾ ونصب ﴿أول كافر﴾ لأنه خبر كان.

المعنى:

ثم قال مخاطبا لليهود ﴿وآمنوا﴾ أي صدقوا ﴿بما أنزلت﴾ على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) من القرآن لأنه منزل من السماء إلى الأرض ﴿مصدقا لما معكم﴾ من التوراة أمرهم بالتصديق بالقرآن وأخبرهم أن في تصديقهم بالقرآن تصديقا منهم للتوراة لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بالنبوة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتصديقه نظير الذي في التوراة والإنجيل فإن فيهما البشارة بمحمد وبيان صفته فالقرآن مصدق لهما وقيل معناه أنه يصدق بالتوراة والإنجيل فإن فيهما البشارة بمحمد وبيان صفته فالقرآن مصدق لهما وقيل معناه أنه يصدق بالتوراة لأن فيه الدلالة على أنه حق وأنه من عند الله والأول أوجه لأنه يكون حجة عليهم بأن جاء القرآن بالصفة التي تقدمت بها بشارة موسى وعيسى (عليهما السلام) وقوله ﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ أي بالقرآن من أهل الكتاب لأن قريشا قد كانت قد كفرت به بمكة قبل اليهود وقيل المعنى ولا تكونوا السابقين إلى الكفر به فيتبعكم الناس أي لا تكونوا أئمة في الكفر به عن أبي العالية وقيل المعنى ولا تكونوا أول جاحدين صفة النبي في كتابكم فعلى هذا تعود الهاء في به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن جريج وقيل المعنى ولا تكونوا أول كافر بما معكم من كتابكم لأنكم إذا جحدتم ما فيه من صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقد كفرتم به قال الزجاج وقواه بأن الخطاب وقع على علماء أهل الكتاب فإذا كفروا كفر معهم الأتباع فلذلك قيل لهم ﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ قال ولو كان الهاء في به للقرآن فلا فائدة فيه لأنهم كانوا يظهرون أنهم كافرون بالقرآن وقال علي بن عيسى يحتمل أن يكون أول كافر بالقرآن أنه حق في كتابكم وإنما عظم أول الكفر لأنهم إذا كانوا أئمة لهم وقدوة في الضلالة كانت ضلالتهم أعظم نحو ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وليس في نهيه عن أن يكونوا أول كافر به دلالة على أنه

يجوز أن يكونوا آخر كافر لأن المقصود النهي عن الكفر على كل حال وخص أولا بالذكر لما ذكرناه من عظم موقعه كما قال الشاعر:

من أناس ليس في أخلاقهم

عاجل الفحش ولا سوء الجزع

وليس يريد أن فيهم فحشا آجلا وقوله ﴿ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا﴾ روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال كان حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وآخرون من اليهود لهم مأكلة على اليهود في كل سنة فكرهوا بطلانها بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فحرفوا لذلك آيات من التوراة فيها صفته وذكره فذلك الثمن الذي أريد في الآية قال الفراء إنما أدخل الباء في الآيات دون الثمن في سورة يوسف أدخله في الثمن في قوله ﴿وشروه بثمن بخس دراهم معدودة﴾ لأن العروض كلها أنت مخير فيها إن شئت قلت اشتريت الثوب بكساء وإن شئت قلت اشتريت بالثوب كساء أيهما جعلت ثمنا لصاحبه جاز فإذا جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء في الثمن كقوله ﴿وشروه بثمن بخس دراهم﴾ لأن الدراهم ثمن أبدا والمعنى لا تستبدلوا ب آياتي أي بما في التوراة من بيان صفة محمد ونعته ثمنا قليلا أي عرضا يسيرا من الدنيا ﴿وإياي فاتقون﴾ فاخشوني في أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا ما يفوتكم من المأكل والرئاسة وتقييده الثمن بالقلة لا يدل على أنه إذا كان كثيرا يجوز شراؤه به لأن المقصود أن أي شيء باعوا به آيات الله كان قليلا وأنه لا يجوز أن يكون ثمن يساويه كقوله ﴿ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به﴾ وإنما أراد بذلك نفي البرهان عنه على كل حال وأنه لا يجوز أن يكون عليه برهان ومثله قوله ﴿ويقتلون النبيين بغير حق﴾ وإنما أراد أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق ونظائر ذلك كثيرة ومنه قول امرىء القيس:

على لأحب لا يهتدى بمنارة

إذا سافه العود الديافي جرجرا

وإنما أراد أنه لا منار هناك فيهتدي به وفي هذه الآية دلالة على تحريم أخذ الرشى في الدين لأنه لا يخلو إما أن يكون أمرا يجب إظهاره أو يحرم إظهاره فالأخذ على مخالفة كلا الوجهين حرام وهذا الخطاب يتوجه أيضا على علماء السوء من هذه الأمة إذا اختاروا الدنيا على الدين فتدخل فيه الشهادات والقضايا والفتاوى وغير ذلك.