الآيات 117-122

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴿117﴾ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿118﴾ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ ﴿119﴾ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴿120﴾ قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ ﴿121﴾ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴿122﴾

القراءة:

قرأ حفص عن عاصم ﴿تلقف﴾ خفيفة في طه والشعراء مثله والباقون تلقف بتشديد القاف في جميعها.

الحجة:

تلقف وتلقم واحد وأصله تتلقف فحذفت التاء التي للمطاوعة في تفعل وثبت التاء التي للمضارعة وتلقف ساكنة اللام مضارع لقف يلقف لقفا قال الشاعر:

أنت عصا موسى التي لم تزل

تلقف ما يأفكه الساحر

اللغة:

الإفك قلب الشيء عن وجهه في الأصل ومنه الإفك الكذب لأنه قلب المعنى عن جهة الصواب ، أصل الوقوع السقوط كسقوط الحائط والطائر والواقعة النازلة من السماء قال علي بن عيسى الوقوع ظهور الشيء بوجوده نازلا إلى مستقره والحق كون الشيء في موضعه الذي اقتضته الحكمة والباطل الكائن بحيث يؤدي إلى الهلاك وهو نقيض الحق فإن الحق كون الشيء بحيث يؤدي إلى النجاة والغلبة الظفر بالبغية من العدو في حال المنازعة والصاغر الذليل والصغر والصغار الذلة يقال صغر الشيء يصغر صغرا وصغرا وصغارا إذا ذل وأصله صغر القدر.

الإعراب:

﴿أن ألق﴾ يجوز أن يكون أن مع ما بعدها من الفعل بمنزلة المصدر فيكون تقديره وأوحينا إلى موسى بأن ألق أي بالإلقاء ويجوز أن يكون بمعنى أي لأنه تفسير ما أوحي إليه ﴿ما يأفكون﴾ ما بمعنى الذي وتقديره تلقف ما يأفكون فيه أي تلقف المأفوك الذي حل فيه الإفك ومثله والله خلقكم وما تعملون يعني وما تعملون فيه و﴿ما كانوا يعملون﴾ يحتمل أن تكون ما بمعنى المصدر أي وبطل عملهم ويحتمل أن يكون ما بمعنى الذي أي وبطل الحبال والعصي التي عملوا بها السحر وما إذا كانت بمعنى المصدر لا تعمل في الفعل كما يعمل إن فيه إذا كانت بمعنى المصدر لأن أن ينقل الفعل نقلين إلى المصدر وإلى الاستقبال ولا ينقله ما إلى الاستقبال تقول يعجبني ما تصنع الآن ويعجبني أن تصنع الخير و﴿هنالك﴾ دخلت اللام فيه ليدل على بعد المكان المشار إليه كما دخلت في ذلك لبعد المشار إليه فههنا لما بعد قليلا وهنالك لما كان أشد بعدا وهو ظرف مبهم وفيه معنى الإشارة كما أن ذا مبهم وإنما دخلت كاف المخاطبة مع بعد الإشارة لتشعر بتأكيد معنى الإشارة إلى المخاطب ليتنبه على بعد المشار إليه من المكان.

والبعيد أحق بعلامة التنبه من القريب.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال ﴿وأوحينا إلى موسى﴾ أي ألقينا إليه من وجه لم يشعر به إلا هو ﴿أن ألق عصاك﴾ التي معك ﴿فإذا هي تلقف ما يأفكون﴾ معناه فألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع ما يكذبون فيه أنها حيات عن مجاهد ﴿فوقع﴾ أي ظهر ﴿الحق﴾ وهو أمر موسى وصحة نبوته ومعجزاته عن الحسن ومجاهد وقيل وقع الحق بأن صارت العصا حية في الحقيقة ﴿وبطل ما كانوا يعملون﴾ أي بطل تمويهاتهم عن الجبائي وإنما ظهر ذلك لهم لأنهم لما رأوا تلك الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة في العصا علموا أنه أمر سماوي لا يقدر عليه غير الله تعالى فمن تلك الآيات قلب العصا حية ومنها أكلها حبالهم وعصيهم مع كثرتها ومنها فناء حبالهم وعصيهم في بطنها إما بالتفرق وإما بالفناء عند من جوزه ومنها عودها عصا كما كانت من غير زيادة ولا نقصان وكل من هذه الأمور يعلم كل عاقل أنه لا يدخل تحت مقدور البشر فاعترفوا بالتوحيد والنبوة وصار إسلامهم حجة على فرعون وقومه ﴿فغلبوا هنالك﴾ أي قهر فرعون وقومه عند ذلك المجمع وبهت فرعون وخلى سبيل موسى ومن تبعه ﴿وانقلبوا صاغرين﴾ أي انصرفوا أذلاء مقهورين ﴿وألقي السحرة ساجدين﴾ يعني أن السحرة لما شاهدوا تلك الآيات وعلموا أنها من عند الله تعالى آمنوا بالله تعالى وبموسى وسجدوا لله ألهمهم الله ذلك وقيل إن موسى وهارون سجدا لله تعالى شكرا له على ظهور الحق فاقتدوا بهما فسجدوا معهما وإنما قال ألقي على ما لم يسم فاعله ليكون فيه معنى إلقائهم ما رأوا من عظيم آيات الله بأن دعاهم إلى السجود لله والخضوع له عزت قدرته وأنهم لم يتمالكوا أنفسهم عند ذلك بأن وقعوا ساجدين وهذا كما يقال أعجب فلان بنفسه وإن كان أتى من قبله وليس يفعل ذلك به غيره ﴿قالوا آمنا﴾ أي صدقنا ﴿برب العالمين﴾ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما ﴿رب موسى وهارون﴾ خصوهما بالذكر بعد دخولهما في جملة العلمين لأنهما دعوا إلى الإيمان بالله تعالى ولشريف ذكرهما ولتفضيلهما على غيرهما على طريق المدحة والتعظيم لهما وقيل إنهم فسروا سجودهم بأن قالوا آمنا برب العالمين لئلا يتوهم متوهم أنهم سجدوا لفرعون ثم قالوا رب موسى وهارون لأن فرعون كان يدعي أنه رب العالمين فأزالوا به الإبهام لئلا يتوهم الجهال أنهم عنوا بقولهم رب العالمين فرعون وقال علي بن عيسى يجوز أن يقال إن الله سبحانه لم يزل ربا ولا مربوب كما جاز لم يزل سميعا ولا مسموع لأنها صفة غير جارية على الفعل كما جرى صفة مالك على ملك يملك فالمقدور هو المملوك ولا يطلق الرب إلا على الله تعالى لأنه يقتضي أنه رب كل شيء يصح ملكه ويقال في غيره رب الدار ورب الفرس ومثله خالق لا يطلق إلا عليه سبحانه ويقال في غيره خالق الأديم.