الآيـة 35

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ﴿35﴾

اللغة:

السكون والاطمئنان والهدو نظائر والسكن بسكون الكاف العيال وأهل البيت والسكن بالفتح المنزل والسكن الرحمة والبركة في قوله ﴿إن صلاتك سكن لهم﴾ والزوج بطرح الهاء قال الأصمعي هو أكثر كلام العرب والأكل والمضغ واللقم متقارب وضد الأكل الأزم وسأل عمر بن الخطاب الحارث بن كلدة طبيب العرب فقال يا حار ما الدواء فقال الأزم أي ترك الأكل والرغد النفع الواسع الكثير الذي ليس فيه عناء قال ابن دريد الرغد السعة في العيش والمشيئة من قبيل الإرادة وكذلك المحبة والاختيار والإيثار وإن كان لها شروط ذكرت في أصول الكلام والقرب الدنو قرب الشيء يقرب قربا وقرب فلان أهله يقرب قربانا إذا غشيها وما قربت هذا الأمر قربانا وقربا والشجرة ما قام على ساق وجمعها أشجار وشجرات وشجر وتشاجر القوم اختلفوا أخذ من الشجر لاشتباك أغصانه و الظلم والجور والعدوان متقارب وضد الظلم الإنصاف وضد الجور العدل وأصل الظلم انتقاص الحق قال الله تعالى كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا أي لم تنقص وقيل أصله وضع الشيء في غير موضعه من قولهم من أشبه أباه فما ظلم أي فما وضع الشبه في غير موضعه وكلاهما مطرد وعلى الوجهين فالظلم اسم ذم لا يجوز إطلاقه على الأنبياء والمعصومين.

الإعراب:

قوله : ﴿اسكن أنت وزوجك﴾ استقبح عطف الظاهر على الضمير المستكن والمتصل فقال ﴿اسكن أنت وزوجك الجنة﴾ فأنت تأكيد للضمير المستكن في اسكن الذي هو فاعله وزوجك معطوف على موضع أنت فلو عطفه على الضمير المستكن لكان أشبه في الظاهر عطف الاسم على الفعل فأتى بالضمير المنفصل فعطفه عليه ورغدا منصوب لأنه صفة لمصدر محذوف كأنه قال أكلا رغدا أي واسعا كثيرا ويجوز أن يكون مصدرا وضع موضع الحال من قوله ﴿كلا﴾ قال الخليل يقال قوم رغد ونساء رغد وعيش رغد ورغيد قال امرؤ القيس:

بينما المرء تراه ناعما

يأمن الأحداث في عيش رغد

فعلى هذا يكون تقديره وكلا منها متوسعين في العيش وحيث مبني على الضم كما تبنى الغاية نحو من قبل ومن بعد لأنه منع من الإضافة إلى مفرد كما منعت الغاية من الإضافة وإنما يأتي بعده جملة اسمية أو فعلية في تقدير المضاف إليه و﴿لا تقربا﴾ مجزوم بالنهي والألف ضمير الفاعلين وقوله ﴿فتكونا﴾ يحتمل أمرين أحدهما أن يكون جوابا للنهي فيكون منصوبا بإضمار أن وأن مع الفعل في تأويل اسم مفرد وإذا قدر إضمار أن بعد الفاء كان ذلك عطفا على مصدر الفعل المتقدم فيكون تقديره لا يكون منكما قرب لهذه الشجرة فتكونا من الظالمين فيكون الكلام جملة واحدة لأن المعطوف يكون من جملة المعطوف عليه وإنما سميناه جوابا لمشابهته الجزاء في أن الثاني سببه الأول لأن معنى الكلام أن تقربا هذه الشجرة تكونا من الظالمين والثاني أن يكون معطوفا على النهي فيكون مجزوما وتكون الفاء عاطفة جملة على جملة فكأنه قال فلا تكونا من الظالمين.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه ما أمر به آدم (عليه السلام) بعد أن أنعم عليه بما اختصه من العلوم لما أوجب له به من الإعظام وأسجد له الملائكة الكرام فقال عز اسمه ﴿وقلنا﴾ وهذه نون الكبرياء والعظمة لا نون الجمع ﴿يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة﴾ أي اتخذ أنت وامرأتك الجنة مسكنا ومأوى لتأوي إليه وتسكن فيه أنت وامرأتك واختلف في هذا الأمر فقيل أنه أمر تعبد وقيل هو إباحة لأنه ليس فيه مشقة فلا يتعلق به تكليف وقوله ﴿وكلا﴾ إباحة وقوله ﴿ولا تقربا﴾ تعبد بالاتفاق وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه لما أخرج إبليس من الجنة ولعن وبقي آدم وحده استوحش إذ ليس معه من يسكن إليه فخلقت حواء ليسكن إليها وروي أن الله تعالى ألقى على آدم النوم وأخذ منه ضلعا فخلق منه حواء فاستيقظ آدم فإذا عند رأسه امرأة فسألها من أنت قالت امرأة قال لم خلقت قالت لتسكن إلي فقالت الملائكة ما اسمها يا آدم قال حواء قالوا ولم سميت حواء قال لأنها خلقت من حي فعندها قال الله تعالى ﴿اسكن أنت وزوجك الجنة﴾ وقيل إنها خلقت قبل أن يسكن آدم الجنة ثم أدخلا معا الجنة وفي كتاب النبوة أن الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حواء من آدم فهمة الرجال الماء والطين وهمة النساء الرجال قال أهل التحقيق ليس يمتنع أن يخلق الله حواء من جملة جسد آدم بعد أن لا يكون مما لا يتم الحي حيا إلا معه لأن ما هذه صفته لا يجوز أن ينقل إلى غيره أو يخلق منه حي آخر من حيث يؤدي إلى أن لا يمكن إيصال الثواب إلى مستحقه لأن المستحق لذلك هو الجملة بأجمعها وإنما سميت حواء لأنها خلقت من حي على ما ذكرناه قبل وقيل لأنها أم كل حي واختلف في الجنة التي أسكن فيها آدم فقال أبو هاشم هي جنة من جنان السماء غير جنة الخلد لأن جنة الخلد أكلها دائم ولا تكليف فيها وقال أبو مسلم هي جنة من جنان الدنيا في الأرض وقال أن قوله ﴿اهبطوا منها﴾ لا يقتضي كونها في السماء لأنه مثل قوله ﴿اهبطوا مصرا﴾ واستدل بعضهم على أنها لم تكن جنة الخلد بقوله تعالى حكاية عن إبليس ﴿هل أدلك على شجرة الخلد﴾ فلو كانت جنة الخلد لكان آدم عالما بذلك ولم يحتج إلى دلالة وقال أكثر المفسرين والحسن البصري وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وكثير من المعتزلة كالجبائي والرماني وابن الإخشيد إنها كانت جنة الخلد لأن الألف واللام للتعريف وصارا كالعلم عليها قالوا ويجوز أن تكون وسوسة إبليس من خارج الجنة من حيث يسمعان كلامه قالوا وقال من يزعم أن جنة الخلد من يدخلها لا يخرج منها غير صحيح لأن ذلك إنما يكون إذا استقر أهل الجنة فيها للثواب فأما قبل ذلك فإنها تفنى لقوله تعالى ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ وقوله ﴿وكلا منها رغدا﴾ أي كلا من الجنة كثيرا واسعا لا عناء فيه ﴿حيث شئتما﴾ من بقاع الجنة وقيل منها أي من ثمارها إلا ما استثناه ﴿ولا تقربا هذه الشجرة﴾ أي لا تأكلا منها وهو المروي عن الباقر (عليه السلام) فمعناه لا تقرباها بالأكل ويدل عليه أن المخالفة وقعت بالأكل

بلا خلاف لا بالدنو منها ولذلك قال فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما واختلف في هذا النهي فقيل أنه نهي التحريم وقيل أنه نهي التنزيه دون التحريم كمن يقول لغيره لا تجلس على الطرق وهو قريب من مذهبنا فإن عندنا أن آدم كان مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة وكان بالتناول منها تاركا نفلا وفضلا ولم يكن فاعلا لقبيح فإن الأنبياء (عليهم السلام) لا يجوز عليهم القبائح لا صغيرها ولا كبيرها وقالت المعتزلة كان ذلك صغيرة من آدم (عليه السلام) على اختلاف بينهم في أنه وقع منه على سبيل العمد أو السهو أو التأويل وإنما قلنا أنه لا يجوز مواقعة الكبائر على الأنبياء (عليهم السلام) من حيث إن القبيح يستحق فاعله به الذم والعقاب لأن المعاصي عندنا كلها كبائر وإنما تسمى صغيرة بإضافتها إلى ما هو أكبر عقابا منها لأن الإحباط قد دل الدليل عندنا على بطلانه وإذا بطل ذلك فلا معصية إلا ويستحق فاعلها الذم والعقاب وإذا كان الذم والعقاب منفيين عن الأنبياء (عليهم السلام) وجب أن ينتفي عنهم سائر الذنوب ولأنه لو جاز عليهم شيء من ذلك لنفر عن قبول قولهم والمراد بالتنفير أن النفس إلى قبول قول من لا تجوز عليه شيئا من المعاصي أسكن منها إلى قول من يجوز عليه ذلك ولا يجوز عليهم كل ما يكون منفرا عنه من الخلق المشوهة والهيئات المستنكرة وإذا صح ما ذكرناه علمنا أن مخالفة آدم (عليه السلام) لظاهر النهي كان على الوجه الذي بيناه واختلف في الشجرة التي نهي عنها آدم فقيل هي السنبلة عن ابن عباس وقيل هي الكرمة عن ابن مسعود والسدي وقيل هي التينة عن ابن جريج وقيل هي شجرة الكافور يروي عن علي (عليه السلام) وقيل هي شجرة العلم علم الخير والشر عن الكلبي وقيل هي شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة عن ابن جذعان وقوله ﴿فتكونا من الظالمين﴾ أي تكونا بأكلها من الظالمين لأنفسكما ويجوز أن يقال لمن بخس نفسه الثواب أنه ظالم لنفسه كقوله تعالى حكاية عن أيوب إني كنت من الظالمين حيث بخس نفسه الثواب بترك المندوب إليه واختلفوا هل كان يجوز ابتداء الخلق في الجنة فجوز البصريون من أهل العدل ذلك قالوا يجوز أن ينعمهم الله في الجنة مؤبدا تفضلا منه لا على وجه الثواب لأن ذلك نعمة منه تعالى كما أن خلقهم وتعريضهم للثواب نعمة وقال أبو القاسم البلخي لا يجوز ذلك لأنه لو فعل ذلك لا يخلو إما أن يكونوا متعبدين بالمعرفة أو لا يكونوا كذلك فلو كانوا متعبدين لم يكن بد من ترغيب وترهيب ووعد ووعيد وكان يكون لا بد من دار أخرى يجازون فيها ويخلدون وإن كانوا غير متعبدين كانوا مهملين وذلك غير جائز وجوابه أنه سبحانه لو ابتدأ خلقهم في الجنة لكان يضطرهم إلى المعرفة ويلجئهم إلى فعل الحسن وترك القبيح ومتى راموا القبيح منعوا منه فلا يؤدي إلى ما قاله وهذا كما يدخل الله الجنة الأطفال وغير المكلفين لا على وجه الثواب.