الآيات 109-112

قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴿109﴾ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴿110﴾ قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ ﴿111﴾ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴿112﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة والكسائي وخلف أرجه بكسر الهاء بغير همز بين الجيم والهاء إلا أن نافعا والكسائي وخلفا يشبعون كسرة الهاء ولا يشبع أبو جعفر وقالون عن نافع بل يكسران الهاء بغير همز بين الجيم والهاء وقرأ عاصم وحمزة ﴿أرجه﴾ بغير همز وسكون الهاء وقرأ الباقون أرجئه بالهمز وضم الهاء وفي الشعراء مثله وقرأ بكل سحار بألف بعد الحاء كوفي غير عاصم هاهنا وفي يونس وقرأ الباقون ﴿ساحر﴾ بألف قبل الحاء في السورتين ولم يختلفوا في الشعراء أن الألف بعد الحاء هناك.

الحجة:

قال أبو علي أرجئه أفعله من الإرجاء وهو التأخير ولا بد من ضم الهاء مع الهمزة ولا يجوز غيره وأن لا يبلغ الواو أحسن لأن الهاء خفية فلو بلغ بها الواو لكان كأنه جمع بين ساكنين ومن قال أرجئه فألحق الواو فلأن الهاء متحركة ولم يلتق ساكنان لأن الهاء يفصل بينهما ولو كان مع الهاء حرف لين لكان وصلها بالواو أقبح نحو عليهو لاجتماع حروف متقاربة مع أن الهاء ليس بحاجز قوي ومن قرأ أرجهي فوصل الهاء بياء فلأن هذه الهاء يوصل في الإدراج بواو وياء نحو بهو وبهي وضربهو ومن قرأ ﴿أرجه﴾ فلأن في أرجأت لغتين أرجئت وأرجيت فإذا قال ﴿أرجه﴾ كان من أرجيت قال الزجاج زعم الحذاق بالنحو أن هذه الهاء لا يجوز إسكانها أعني هاء الإضمار وزعم بعض النحويين أن إسكانها جائز وأن هاء التأنيث يجوز إسكانها واستشهد ببيت مجهول وهو:

لما رأى أن لا دعه ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف فاضطجع

قال وهذا شعر لا يعرف قائله والشاعر قد يجوز أن يخطىء وحجة من قرأ ساحر قوله فألقي السحرة ولعلنا نتبع السحرة والسحرة جمع ساحر وكذلك قوله سحروا أعين الناس وحجة من قرأ سحار أنه قد وصفه بعليم وذلك يدل على تناهيه فيه وحذقه به فحسن لذلك أن يذكروا بالاسم الدال على المبالغة في السحر.

اللغة:

السحر لطف الحيلة في إظهار أعجوبة توهم المعجزة وقال الأزهري السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره وأصل السحر خفاء الأمر والسحر آخر الليل لخفاء الشخص ببقية ظلمته والسحر الرئة لخفاء أمرها ويقال سحر المطر الأرض إذا جادها فقطع نباتها عن أصوله فقلب الأرض ظهرا لبطن بسرها سحرا والأرض مسحورة فشبه سحر الساحر بذلك لتخييله إلى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به.

الإعراب:

﴿فما ذا تأمرون﴾ موضع ما يحتمل أن يكون رفعا ويكون ذا بمعنى الذي فيكون بمعنى فما الذي تأمرون ويحتمل أن يكون نصبا ويكون ما وذا اسما واحدا ويكون بمعنى فأي شيء تأمرون ويأتوك مجزوم لأنه جواب الأمر وعامل الإعراب فيه محذوف وتقديره فإنك إن ترسل يأتوك والباء في قوله ﴿بكل ساحر﴾ يحتمل أن يكون بمعنى مع أي يأتون ومعهم كل ساحر فيكون في موضع الحال ويحتمل أن يكون للتعدية تقول ذهبت به وأذهبته وأتيت به وأتيته.

المعنى:

ثم حكى سبحانه ما قاله أشراف قوم فرعون فقال ﴿قال الملأ من قوم فرعون﴾ لمن دونهم في الرتبة من الحاضرين ﴿إن هذا لساحر عليم﴾ بالسحر ﴿يريد أن يخرجكم من أرضكم﴾ معناه يريد أن يستميل بقلوب بني إسرائيل إلى نفسه ويتقوى بهم فيغلبكم بهم ويخرجوكم من بلدتكم ﴿فما ذا تأمرون﴾ قيل أن هذا قول الأشراف بعضهم لبعض على سبيل المشورة ويحتمل أن يكون قالوا ذلك لفرعون وإنما قالوا تأمرون بلفظ الجمع على خطاب الملوك ويحتمل أيضا أن يكون قول فرعون لقومه فيكون تقديره قال فرعون لهم فما ذا تأمرون وهو قول الفراء والجبائي ﴿قالوا أرجه وأخاه﴾ أي قالوا لفرعون أخره وأخاه هارون ولا تعجل بالحكم فيهما بشيء فتكون عجلتك حجة عليك عن الزجاج وقيل أخره أي أحبسه والأول أصح لأنه كان يعلم أنه لا يقدر على حبسه مع ما رأى من تلك الآيات ﴿وأرسل في المدائن﴾ التي حولك ﴿حاشرين﴾ أي جامعين للسحرة يحشرون من يعلمونه منهم عن مجاهد والسدي وقيل هم أصحاب الشرط أرسلهم في حشر السحرة وكانوا اثنين وسبعين رجلا عن ابن عباس ﴿يأتوك بكل ساحر عليم﴾ أي يحشرون إليك السحرة ليجتمعوا ويعارضوا موسى فيغلبوه.