الآيات 94-95

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴿94﴾ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴿95﴾

اللغة:

التبديل وضع أحد الشيئين مكان الآخر وأصل العفو الترك من قوله فمن عفي له من أخيه شيء فمعنى قوله ﴿عفوا﴾ تركوا حتى كثروا قال:

ولكنا نعض السيف منها

بأسوق عافيات اللحم كوم

والبغتة الفجأة وهي الأخذ على غرة من غير تقدمة تؤذن بالنازلة يقال بغته يبغته بغتا وبغتة قال:

وأنكا شيء حين يفجأك البغت.

الإعراب:

أصل يضرعون يتضرعون فأدغمت التاء في الضاد استطالة وإنما يدغم الناقص في الزائد ولا يدغم الزائد في الناقص لما في ذلك من الإخلال به وهو في موضع رفع بأنه خبر لعل وبغتة مصدر وضع موضع الحال.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه بعد ما اقتص من قصص الأنبياء وتكذيب أممهم إياهم وما نزل بهم من العذاب سنة في أمثالهم تسلية لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ﴿وما أرسلنا في قرية﴾ من القرى التي أهلكناها بالعذاب وقيل في سائر القرى عن الجبائي ﴿من نبي﴾ وهو من يؤدي عنا بلا واسطة من البشر فلم يؤمنوا به بعد قيام الحجة عليهم ﴿إلا أخذنا أهلها﴾ يعني أهل تلك القرية ﴿بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون﴾ أي ليتنبهوا ويعلموا أنه مقدمة العذاب ويتضرعوا ويتوبوا عن شركهم ومخالفتهم ويعني بالبأساء ما نالهم من الشدة في أنفسهم وبالضراء ما نالهم في أموالهم وقيل إن البأساء الجوع والضراء الأمراض والشدائد عن الحسن وقيل إن البأساء الجوع والضراء الفقر عن السدي ﴿ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة﴾ أي رفعنا السيئة ووضعنا الحسنة مكانها والسيئة الشدة والحسنة الرخاء عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وسميت سيئة لأنها تسوء صاحبها قال الجبائي جرى في هذا الموضع على سبيل التوسع والمجاز ﴿حتى عفوا﴾ أي كثروا عن ابن عباس ومجاهد والسدي وقيل سمنوا عن الحسن وقيل أعرضوا عن الشكر عن أبي مسلم ﴿وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء﴾ أي قال بعضهم لبعض هكذا عادة الدهر فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم كذلك فلم ينتقلوا عن حالهم فتنتقلوا ﴿فأخذناهم بغتة﴾ أي فجاة عبرة لمن بعدهم ﴿وهم لا يشعرون﴾ أي لم يعلموا أن العذاب نازل بهم إلا بعد حلوله وحقيقة المعنى في الآية أنه سبحانه يدبر خلقه الذين يعصونه بأن يأخذهم تارة بالشدة وتارة بالرخاء فإذا أفسدوا على الأمرين جميعا أخذهم فجاة ليكون ذلك أعظم في الحسرة وأبلغ في العقوبة نعوذ بالله من سخطه.